العدد 2803 - الأحد 09 مايو 2010م الموافق 24 جمادى الأولى 1431هـ

حقل ألغام العمل في منظمات حقوق الإنسان العربية (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما ننتقل من العربي العام إلى البحريني الخاص، وتحديدا نشرع في معالجة تأسيس جمعية حقوق الإنسان البحرينية، سنواجه بزوبعة الجدل الحاد الذي أثاره ذلك التأسيس، والتي لاتزال أتربتها تملأ الأجواء السياسية. بل لقد وصل الأمر إلى التشكيك في وطنية بعض من وافق على تعيينه عضوا فيها، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين تبوأوا مناصبها القيادية.

كان من الممكن أن يحال دون ذلك الجدل، ويوفر على الجميع الدخول في تلك المشاحنات الساخنة، لو أن السلطة التنفيذية، وعوضا عن الخروج بقرار، بدا وكأنه عفوي، قامت بالإفصاح، وبشكل شفاف عن المقاييس التي راعتها عندما بادرت إلى تكليف من عينتهم في تلك الجمعية.

في الاتجاه ذاته، كانت الخطوة الأرقى المطلوبة من السلطة ذاتها، والأكثر ديمقراطية والأشد شفافية من كل ذلك، لو ان السلطة ذاتها، وبدلا من الاستفراد بالقرار، وإصداره بشكل فوقي، بادرت إلى دعوة كل، أو مجموعة من، الجمعيات السياسية أو كحد أدنى، جمعيات المجتمع المدني ذات العلاقة، واستشارتها في الأمر، واستعرضت معها أسماء المرشحين، وتوصلت معها إلى قائمة مشتركة، لكفت، كما يقال، المسلمين شر القتال، ولحقق الجميع من وراء ذلك الارتقاء بمستوى الاختلاف إلى درجات أعلى تتناول المبررات السياسية، والجدوى العملية، إلى جانب تحديد المهام المناطة بالجمعية، ومن خلالها الأعضاء المعينين لتحقيقها.

على قدم المساواة، كان حريا بمن عينوا، وعلى وجه الخصوص منهم، أولئك من ذوي التاريخ السياسي، والانتماء التنظيمي اليوم، أن يعودوا لجمعياتهم يستشفون آراء قياداتها، ويستأنسون باقتراحات الأصدقاء المقربين لهم. لاشك أن القبول بالعضوية، دون العودة للتنظيمات أو الأصدقاء، كان خطأ واضحا، لا ينبغي السكوت عنه، لكنه في الوقت ذاته ليس ذلك الخطأ الذي لا يمكن إصلاحه أو تلافي ذيوله السلبية، أو الحد من تداعياته.

لكننا اليوم، وكما يقال أيضا، قد صار ما صار، وليس هناك أي مجال لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وأصبحت اللجنة حقيقة قائمة، فكيف بوسعنا التعامل معها، ومن منطلق وطني، يضع أمام عينيه هموم الناس ومشكلاتهم، ولا تحيد عنهما تعزيز الحقوق الشرعية التي ينبغي ان يتمتع بها المواطن البحريني، في إطار الالتزام بمواد الدستور، والقوانين والأنظمة الأخرى المعمول بها.

وقبل تناول ما يمكن للقوى الوطنية الديمقراطية، ومنظمات المجتمع المدني البحرينية اليوم أن تقوم به، لابد من تأكيد حقيقة واحدة، وهي أن لجوء السلطة إلى تلك العناصر، هو في حد ذاته أحد المؤشرات القوية على رغبتها في فتح باب الحوار مع مجموعات كانت، قد أوصدت قنوات التفاعل معها. ينبغي رؤية هامش التحول الضيق في سلوك السلطة اليوم، ورصده بشكل مستمر. لا ينبغي ان يفهم ان هذا بمثابة الدعوة لبناء الأوهام، أو الركض وراء أي شكل من أشكال الأحلام. لكن القوى السياسية الديناميكية ذات الروح السياسية المتجددة هي تلك التي ترى تلك التحولات الطفيفة في إطارها الصحيح، وتقيسها بمقياس جدلي يميز بين تلك التحولات الصحيحة، مهما كانت صغيرة، وأخرى غيرها ذات الطبيعة التجميلية، حتى وإن بدت هذه الأخيرة أكبر حجما، أو أكثر حضورا. لابد من التمعن في تلك التحولات من زاوية التراكمات الكمية التي لابد لها وأن تتحول في لحظة معينة إلى تحول نوعي.

هذه النظرة، ينبغي لها كي تكون صحيحة وذات تأثير فعلي، أن تكون حذرة أيضا من احتمال انقضاض السلطة على تلك التحولات، ووأدها أو التراجع عن جوهرها. هنا تبرز قضية في غاية الأهمية، وهي ان تقدم السلطة أو تراجعها ليس قضية مزاجية، بل وليست عفوية أيضا بقدر ما هي استجابة لموازين القوى على أرض الصراع. ففي اللحظة التي تحس فيها السلطة أن موازين القوى لصالح المعارضة، لا تملك إلا أن تقدم المزيد من التنازلات إن هي أرادات الاحتفاظ بالأهم مقابل التضحية بالأقل أهمية. والعكس صحيح، فما ان تشعر السلطة بميلان كفة الميزان لصالحها، حتى تعود مرة أخرى وتكشر عن أنيابها، وتتراجع عن تلك التنازلات مهما كانت طفيفة.

هنا تميز القوى التي تعتمد على الجماهير دون سواها في خوض المعارك نفسها عن تلك التي لا تثق في تلك الجماهير، بل وقد تخشاها. صمام الأمان الحقيقي والفعال في يد المعارضة، في مثل هذه المنعطفات التاريخية، هو جمهورها الذي بوسعها ان تستنهضه لحظة شعورها برغبة السلطة في التراجع. هذه العلاقة مع الجماهير لا تبنى وقت الحاجة لتلك الجماهير، بل يستغرق تشييدها أجيالا من البناء والتوثيق اللذين يبيحان للمعارضة مخاطبة جماهيرها عندما تبرز الحاجة لتلك المخاطبة.

هذا يقودنا إلى ضرورة ان تدرك القوى الوطنية الديمقراطية أهمية التأسيس للبنية التحتية السياسية التي تبيح لها تشييد قنوات الاتصال والتواصل مع تلك الجماهير. ومن الخطورة بمكان اعتبار تجربة التيار السياسي الإسلامي في مجال بناء العلاقة مع الجماهير بأنها المادة الغنية الوحيدة التي ينبغي قراءتها بشكل صحيح بعيدا عن التشنج او الانفعال، سواء بالسلب أو بالإيجاب غير المبررين، من أجل الاستفادة منها عند الحديث عن كيفية نصب قنوات بناء العلاقة مع تلك الجماهير. إذ من الخطأ القفز فوق، أو «تحقير» تجربة القوى القومية أو اليسارية البحرينية التي تشكل تجربتها هي الأخرى معينا لا ينضب لمن يريد أن ينهل منها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2803 - الأحد 09 مايو 2010م الموافق 24 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:27 م

      مصطلح الإنسان العربي

      لا شك أن التعريف جرت عليه عوامل التعرية من لغة ركيكة وعلوم متراجعه و وأصبح اللهاث خلف المجتمع الغربي أكبر دليل على النقص والتناقض الكبير الذي يعيشه المواطن العربي وأكير دليل التأثر بالأزمة الغربية الإقتصادية وأخذت تجتث ما بقي ما تعتمد عيه الدول في صروحها الإقتصادية مع تحيات (ندى أحمد)

اقرأ ايضاً