هل نعيش زمن المفارقات؟... لا أخال الإجابة ستكون بلا أبداً... فكل ما حولنا يدفعنا إلى أن نقول إننا فعلاً نعيش ذلك الزمن... فمن المفارقات الرقمية لمجلس النواب وعطايا العيد إلى مفارقة الحب والبغض لأناس من دون غيرهم... كلها عجائب تجرنا نحو بحر عميق من الأسئلة ونظل حائرين في الإجابة عليها!
«مسج» تلقيته البارحة جعلني أفكر في حالنا وأتأمل ما يجري وما جرى وبقيت تداعياته وأمور البحث والتحقق فيه جارية إلى حد كتابة هذه السطور على الأقل... هذا المسج يقول إن مجلس النواب قرر صرف كيس قرقاعون لكل مواطن بحريني تعويضاً عن العيدية!... وبقدر ما تحمل العبارة من السخرية أراها مكنوزة بحمل شعب همُّه أصبح أثقل من أن تتحمله الجبال حتى صار ينظر إلى حاله وحال أمثاله فيضحك وكأنه اختار أسهل الطرق للتنفيس عما يعتلج في خاطره بشكل مضحكٍ مبكٍ في آن واحد!
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام: ما الذي يجعل الشعب يطوق بحباله رؤوس من كان هو السبب في وصول أصحابها إلى ما يعتلون من مناصب؟! بالأمس هتف لهم وحاول جمع الأصوات بشتى الطرق ليكسب فلان ممن يعرف عنه الخلق الكريم أو من كان برنامجه النيابي يعمي العين عن أي مساوئ فيه وفي الوقت نفسه يسقط فلان ممن رأى ألا رجاء ولا طائل من ورائه بغض النظر عما تدخل في هذا الاختيار من عاطفة أو نزعات طائفية أو قبلية تجاه أناس دون غيرهم!
كم من النواب رفعهم الشعب وحمّلهم همومه ومشكلاته بل وآماله وكأنه كما يقول المثل «الغرقان يتعلق بقشة» فكانت مقترحاتهم التي خيبت الآمال أو بالأصح كانت حبراً على ورق انتظرنا سنتين أن يخرج ولو واحد منها إلى حيز التنفيذ فلم نلقَ إلا المهاترات والمشاجرات التي أضافت إلى همنا هماً جديداً فكانت القشة التي تمسكنا بها لننجو من الغرق هي نفسها التي قصمت ظهورنا بصحونا على النحاس بعد إغرائنا بالذهب... بالخمسمئة ثم الألف ثم «البونس»... وفي يقظتنا هذه نثرنا ما في جعبتنا وعرفنا أننا سلكنا الطريق الخطأ فما كان منا إلا أن طالبنا بسقوط من رفعناهم وإن كانت مطالبات بيننا وبين أنفسنا أو في شكل «مسجات» ساخرة لو تأمل العاقل فيما تتضمنه من معنى لعرف أن كلماتها أشد جرأة في المطالبة من الصراخ المعلن، بل وأكثر انتشاراً وتأثيراً. وقضية النواب نفسها تحمل من المفارقات ما لا يمكن أن يغيب عن عين أي بصير ولكن من الممكن إضافة مفارقة أخرى إلى مفارقاتها التي تأكل نفسها بنفسها... وذلك بمقارنة بسيطة بين ما أصبح الشعب يكنُّه لهم من مشاعر وبين أولئك الهاتفين في مسيرات طويلة عريضة مستنكرين كبح حرية فلان واحد من البشر!... وبغض النظر عن أسباب ودوافع ذلك الاعتقال فانني لا اعتقد أن ذلك الكم من الناس خرجوا منددين ومطالبين بفك قيد شخص لم يكن يعنيهم في شيء أبداً أو لم يكن يوماً حاملاً هماً من همومهم ومطالبا لهم بحياة أفضل مما يحيونه! فعند ذلك الشعب... وعند من يرفع عنه جزءاً من الضيم أو القهر... جزءاً من التعاسة أو البؤس... جزءاً مما يعاني من فقر وبطالة وتمييز وسكن وعلاج وباختصار المطالبة له قولاً وفعلاً بجزء من الكرامة الحقة والحياة الإنسانية والعدل المسلوب... عند هذا الشعب يسقط أناس ويعيش آخرون
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 786 - السبت 30 أكتوبر 2004م الموافق 16 رمضان 1425هـ