في غمار الاستعدادات للانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأميركية، يتم طرح قضية مهمة متعلقة بمترشحي الرئاسة وأيهما أصلح للدفاع عن حقوق المستهلكين، فكلاها يثير موضوعات لها علاقة بالمستهلك من منطلق جميل ومختلف عن الآخر.
فحينما سئل الاقتصادي مدير مركز بحوث المستهلك بمركز (A.E.I) بروكينغز جوينت للدراسات المنظمة بواشنطن العاصمة روبرت هان عن أي المترشحين أصلح وأكثر تأهيلاً، وبرنامجه أكثر واقعية للدفاع عن حقوق المستهلك... أجاب قائلاً: من هو المستهلك الذي تقصده في سؤالك؟ فهناك الاقتصاديون يعرفون المستهلك واهتماماته من منطلق وبعد آخر عن تعريف مجموعات حقوق المستهلك أو حتى مترشحي الرئاسة أنفسهم.
ولذلك نجد أن مجموعات حقوق المستهلك التقليدية عادة ما تفضل وتساند الأنشطة الحكومية في مجال تنظيم الإنتاج وخصوصاً المجالات المتعلقة بالتشديد في تبني قوانين وتشريعات صارمة، والحرص على إلزام الشركات المنتجة على تقديم ضمانات كافية لصلاحية منتجاتها للتأكد من سلامة استهلاكها لصحة المستهلك. والملفت للنظر أن لدى هذه المجموعات استعداداً لتبني قوانين يكون جل اهتمامها سلامة المستهلك حتى وإن كان ذلك على حساب الكلفة أو تجاوز منتجات جديدة ذات طابع إبداعي.
موضوعات مهمة
في الحملة الانتخابية الأميركية
يقول هان: «ليس بالضرورة أن هناك توافقاً بين ما يعتقد الاقتصاديون بصلاحيته وما يريده المستهلك»، إذ إن معظم الاقتصاديين يساندون سن تشريعات وقوانين تنظم حقوق المستهلك، ولكن يريدون مع هذه القوانين كفاءة وجودة ومعنى هذا أن هؤلاء الاقتصاديين يريدون سن قوانين توصل إلى تحقيق الأهداف بأقل كلفة ممكنة».
إن الانقسام في وجهات النظر بين كل من الرئيس جورج دبليو بوش ومنافسه عضو الكونغرس الأميركي جون كيري لم يحسم أو يوضح معالمه أي منهما في الموضوعات والسياسات المتعلقة بحقوق المستهلك بشكل قطعي.
وبصراحة لم يقض أي منهما وقتاً كافياً في حملته الانتخابية أو برنامجه المعلن لتسليط الضوء على هذا الموضوع المهم، بل غرق كلاهما في مستنقع غزو العراق وتبعاته السياسية والعسكرية والاقتصادية على حساب قضية حقوق المستهلك.
الموضوعات الرئيسية
يبدو أن تأثير مجموعات دعم حقوق المستهلك المعتدلة على مرشح الرئاسة الجمهوري محدود جداً. يقول كبير مستشاري سلامة الإنتاج باتحاد المستهلكين بالولايات المتحدة سالي جرين برغ إن الرئيس بوش، فشل في تفعيل دور بعض الوكالات المهمة مثل منظمة سلامة المنتوجات (CONSUMER PTODUCTS SAFETY COMMISSION) أو منظمة الاتصالات(FEDRAL COMMUNCATION COMMISSION)، كما أضاف اتحاد المستهلكين في تقرير صادر أن هناك حال إنجاز استثنائية تضاف إلى رصيد الرئيس بوش في مجال حقوق المستهلك وهذه الجهود تحظى بتقدير من الاتحاد منها جهوده في إعادة تشكيل المنتوجات ودعمه تشريعات وقوانين متعلقة بالرعاية الصحية ومتابعتها حتى أروقة المحاكم في كثير من الأحيان، إذ تردد هذه الإدارة رغبتها في منع وقوع ضرر على المستهلك والحد من ضحايا التنمية والإنتاج الصناعي، وأضاف جرين برغ على جهود إدارة الرئيس بوش في هذا الصدد بقوله: «نعتقد أن هذه المبادرات هي حق من حقوق المستهلك ويجب أن تسعى الإدارة إلى تبنيه».
مفهوم حماية المستهلك
في الحملتين الانتخابيتين
إن مجموعات الدفاع عن حقوق المستهلك في الولايات المتحدة، منحت الرئيس بوش كلمة تقدير لدور إدارته في سن قانون قائمة «عدم الاتصال» (DO-NO CALL LIST) والذي أعدته إدارته في محاولة منها لوضع ضوابط للتسويق عبر الهاتف، إذ اعتبروها فكرة إبداعية، وكانت إدارة الرئيس بوش قد دافعت عن هذا القانون في المحافل الرسمية والقضائية المختلفة حتى تم حسم الموضوع في المحكمة الفيدرالية العليا، أما القضية الثانية التي أشاد بها المراقبون من مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان فهي قانون تم تمريره، يضع ضوابط للحصول على معلومات وتقارير داخلية تساعد في التعاملات التجارية المتعلقة بسوق الأوراق المالية وملاحقة المخالفين لهذا القانون قضائياً وقانونياً، ولكن المراقبين يعطون الحزب الديمقراطي نقطة تفوق على نظيره الجمهوري في مجال تفعيل الوكالات المعنية بحقوق المستهلك، وكذلك في مجالات مراقبة جودة العقار الدوائي وتنظيم البث الإعلامي وفي مجال سحب العقار الدوائي غير المطابق للمواصفات الصحية وشروط السلامة... وإن كان الجمهوريون يتنازعون معهم في هذه المنطقة لتحقيق إنجاز فيها.
إضافة إلى ذلك فإن التعيينات التي قام بها الرئيس بوش أخيراً في الوكالات الفيدرالية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان وقفت حاجزاً أما جهود الحزب الديمقراطي في مجال تمرير بعض التشريعات والقوانين التي تساند مشروعهم الانتخابي.
كذلك فإن مجموعات حماية المستهلك عارضت خطوات وجهود رئيس اتحاد المستهلكين الفيدرالي مايكل بول لرفع القيود والسماح للشركات الإعلامية المتعددة بتملك عدد غير محدود من محطات التلفزة والإذاعة، إذ ركز بول في مشروعه على دفع المؤسسات الإعلامية للاندماج مع بعضها بعضاً لتحقيق ملكية مشتركة، الأمر الذي يراه المراقبون ليس في صالح المستهلك.
تحرير التجارة
إن كلاً من المترشحين اتخذ خطوات جعلته يبتعد قليلاً عن تبني مفهوم «التجارة الحرة» التي يمكن من خلالها أن تساعد المستهلكين في الحصول على منتجات أرخص وخيارات متنوعة، فنجد أن كيري سجل رغبة واسعة بتبني «تجارة بلا قيود»، ولكنه دعى في الوقت نفسه إلى عزلة اقتصادية أثناء الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي ومازال يدعو إلى ممارسة ضغوط على الصين من أجل إعادة تقييم لعملتها، الأمر الذي سيرفع من قيمة البضائع والمنتوجات المستوردة منها. ويتعهد أنه وفور انتخابه رئيساً سيدفع باتجاه مراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بالتجارة لتقوية العمالة ودورها إضافة إلى أنه سيتبنى مراجعة القوانين المتعلقة بالبيئة. في الطرف الآخر فإن الرئيس بوش يتبنى مسألة تحرير التجارة، ولكنه لا يتردد في وضع قيود على الاستيراد حين يتطلب الأمر ذلك، في إشارة غمز منه للناخبين الذين يطالبون بوضع قيود على استيراد الحديد من الخارج.
الإصلاح القانوني
في هذا المجال تزداد المنافسة اشتعالاً بين الرئيس بوش ومنافسه السناتور الأميركي المخضرم «20 عاماً العضو بالكونغرس» إذ يسعى الرئيس بوش إلى تبني موقف متشدد تجاه المحامين الذين يعملون على الحصول على تعويضات من شركات التأمين على المنتجات وأخطاء الممارسات الطبية وضحايا إصابات العمل في حين يتبنى السناتور كيري موقفاً مختلفاً من هؤلاء المحامين، بل ويساندهم ويختار نائبه السناتور الديمقراطي جون إدوارد من المحامين المرموقين في هذا القطاع.
إن المحامين المتخصصين في الدفاع عن حقوق المستهلكين يجادلون في تبني قضايا التعويضات القانونية لصالح موكليهم من خلال أن هذه القضايا توفر ضمانة للمستهلك ضد الأخطار في حين تلزم الشركات بمراعاة توفير بيئة عمل آمنة يمارس فيه العامل وظيفته من دون الضرورة لمواجهة مشكلات أو أخطار، في حين يرى الكثير من الاقتصاديين أن قضايا التعويضات المبالغ فيها لم توفر أبداً بيئة عمل أفضل وأكثر أماناً بل تسببت في إحداث خسائر مالية للكثير من هذه الشركات تجاوزت تقديراتها أكثر من 180 ملياراً سنوياً.
ولذلك يعمل اقتصاديو الرئيس بوش على سن تشريعات وقوانين تساهم في الحد من قدرة المحامين على النجاح في قضايا التعويضات في حين يعارض مترشح الرئاسة جون كيري سن مثل هذه التشريعات ويرفض وضع قيود على قضايا التعويضات.
إصلاح القوانين هي واحدة من المحاور التي يتبارى ويتجادل بشأنها المترشحون في برامجهم الانتخابية.
بعد استعراضنا لمحاور الاختلاف والاتفاق بين مترشحي الرئاسة في انتخابات الولايات المتحدة الأميركية... يظهر جلياً أهمية صوت الناخب المستهلك في حسم انتخابات الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
رئيس البحوث والتخطيط بإدارة حماية المستهلك - وزارة التجارة
العدد 786 - السبت 30 أكتوبر 2004م الموافق 16 رمضان 1425هـ