حال التصعيد المتفاقمة التي يشهدها النظام السياسي هذه الأيام كشفت حجم الصراع الجاري بين أطراف عدة برزت مظاهرها في إرباك متبادل من السلطة والقوى السياسية نتج عنه صراع إعلامي شبه طائفي، وسلوك سياسي وصل في أحايين عدة إلى درجة متقدمة من العنف يشبه كما جرى في حركة الاحتجاج السياسي الأخيرة في النصف الثاني من العقد الماضي.
ويمكن تتبع حال التصعيد بدءاً بتداعيات ندوة الفقر في نادي العروبة وما نتج عنها من اعتقال الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة، وحل مركز البحرين لحقوق الإنسان، وغلق نادي العروبة مؤقتاً لمدة 45 يوماً وفتحه لاحقاً بعد سلسلة مفاوضات ووساطات، ثم مزايدات النواب بشأن (العيدية)، وبعدها تعليق الحوار بشأن التعديلات الدستورية بين الجمعيات السياسية المقاطعة وممثل الحكومة وزير العمل والشئون الاجتماعية بسبب (عقد) اجتماع بين هذه الجمعيات والسفير البريطاني، واهتمام المجلس الوطني بغرفتيه بالقضية وإصداره بيانات تستنكر وتشجب التدخل البريطاني والأميركي في الشئون الداخلية البحرينية.
وأخيراً الأزمة البحرينية - السعودية بشأن الإمدادات النفطية من حقل أبوسعفة المشترك في الوقت الذي يواجه فيه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية إنشاء المجلس الإسلامي العلمائي الذي اعتبره الأول مخالفاً للدستور. وأخيراً استمرار محاكمة الخواجة في ظل احتجاج أنصاره على الاعتقال وقيامهم بسلسلة مظاهرات واعتصامات أنهيت بتدخل قوات الأمن يوم الخميس الماضي.
ومثل هذا التصعيد بالتوقيت الراهن يطرح سؤلاً: لمصلحة من يأتي هذا التصعيد؟ ومن الذي يدفعه نحو المضي قدماً إلى الأوضاع السابقة؟ وهل تدرك القوى السياسية حقيقة ما يجري وما ستترتب عليه الأمور لاحقاً إذا استمر كل شيء على ما هو عليه الآن؟
ثمة قوى من مصلحتها العودة إلى حوادث الماضي، ونكوص المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وعودة سيطرة الظروف الأمنية على عدالة القانون وسيادته في المجتمع. إلا أن التعامل مع مثل هذه القوى بحاجة إلى مرونة عالية وترو كبير، لا القيام بردود فعل على ما يجري. فمنذ اعتقال الخواجة إلى الآن، اتسمت علاقة القوى السياسية المختلفة مع السلطة بسمة (الفعل ورد الفعل). وإذا كانت السلطة بما تملك من أدوات وخبرة سياسية قادرة على التلاعب مع القوى السياسية بما يتوافق ومصالحها فقد آن الأوان للأخيرة أن تدرك خطورة هذه العلاقة وكيفية التعامل معها بعيداً عن الأساليب القديمة البائدة والمتمثلة في التظاهر والتخريب والكتابة على الجدران وهي الأساليب التي اعتادت عليها القوى السياسية البحرينية طوال مايزيد على نصف قرن.
فظروف النظام اليوم تغيّرت بشكل كبير، وظهرت أدوات ووسائل أخرى أكثر تطوراً بالإمكان الاستفادة منها في العمل السياسي. وقبل ذلك إدراك أن ظروف اليوم ليست هي ظروف الماضي، ويجب الإيمان بهذه القناعة.
واستمرار حال ردود الفعل التي التزمت بها القوى السياسية ليست في صالحها البتة، وإنما يجب أن تكون هذه القوى هي المبادرة وفق رؤى مختلفة بحيث تغيّر من حال (الفعل وردة الفعل) السائدة اليوم، ولابد من دعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، والمراهنة على نجاحه مستقبلاً، وهذا ما ينبغي التركيز عليه الآن لتجني جميع القوى ثماره لاحقاً
العدد 786 - السبت 30 أكتوبر 2004م الموافق 16 رمضان 1425هـ