العنف لن يعيد العنب وحتماً لن يقربنا من الشجرة، بل على العكس سيزيدنا تراجعاً. وأثبتت التجربة أن العنف السياسي يقود إلى تنازلات سياسية حادة وخصوصاً إذا قرأنا الواقع المحلي والإقليمي والدولي بوعي وواقعية وأزلنا الأوهام من رؤوسنا من أن الغرب داعم للحقوق... أبداً العقلية الغربية عقلية براغماتية ذات شعارات ديماغوجية كاذبة تضحك على عقولنا الساذجة وغالبية دكاكينها الديمقراطية دكاكين صوتية، فهي مجرد ظواهر صوتية لا تمتلك كرباجاً وخازوقاً... تبيع بضاعتها علينا. إذاً، يجب عدم التعويل عليها كثيراً، أما بالنسبة إلى الوضع الإقليمي فهو أكثر تعقيداً، فنحن محاطون بدول غالبيتها ليس عندها دساتير ولا توجد بها صحافة حرة أو مؤسسات مجتمع مدني، اللهم ما قل وندر، وكل هذه الدول هي في محل توافق وتعيش تحالفات مصالحية بينها اتفاقات اقتصادية وأمنية... إلخ، فهل من هؤلاء من هو مستعد لإلقاء مصالحه في البحر من أجل سواد عيون ديمقراطية هنا أو هناك؟
كل الدول اليوم حتى ذات الأبعاد الايديولوجية راحت تفكر في مصالحها القومية والوطنية وراحت تقدم الاتفاقات تلو الاتفاقات التجارية... واضرب مثالاً هنا: أين هو القذافي سابقاً ولاحقاً؟ هناك كلمة جميلة للسيدهاني فحص وهو يصور التطرف ويعيب عليه حدته التي كانت تمارسها بعض الدول العربية وبعض حركات التحرر، فهو يقول: «المتطرف هو في نهاية المطاف يقدم أكثر التنازلات، وعلمتنا التجربة أن من يكون في أقصى اليمين يتحول إلى أقصى اليسار»، وهكذا اختصرها السيد في عبارة «الدوس الايديولوجي العالي يقود إلى الزنا السياسي». لذلك نرى أن الاعتدال في الأمور هو أفضل الطرق لتحقيق المطالب، وعندما جلست مع السيدفضل الله كان في حواره يردد كلمة «الواقعية» قلت له «سيدنا ماذا تقصد بالواقعية؟» قال: «أن تغير الواقع بأدوات الواقع والسياسة تعني فن الممكن وأنا لا أؤمن بالعنف في تحقيق المطالب». العنف أصبح منبوذاً من الجميع بمن فيه الحركات الإسلامية والأنظمة. كرؤية تنظيرية أعتقد أن العنف يضر بالناس وبالأمم أكثر مما يضر بالحكومات والأنظمة.
العنف يكون مبرِراً للقبضة الحديد فيُتَّخذُ ذريعة للتستر على الفساد وقمع الحريات، فيجب ألا تُقدَّم هذه الخدمة على طبق من ذهب.
على مستوى البحرين تغيرت الأمور وأصبحنا نعيش بعض الإيجابيات إن كان على مستوى الحريات أو على مستوى الخدمات. صحيح أن هناك تلكؤات ولكن صدقوني، أن العنف والعنف المضاد أياً يكن بادئه سيخلط الأوراق وستضيع فرص التصحيح، وحتى هذه الخدمات المتلكئة لن تأتي إلى الناس بل ستذهب إلى جيوب المنتفعين ومن يعيشون على حساب التناقضات بين السلطة والمجتمع... فيجب ألا نسمح بخلق الوقيعة وإعطاء الفرصة للوشاة من الدخول على الخط. أية انتكاسة أمنية أو سياسية هي ليست لصالح الجميع. علينا أن نستبدل خطاب الإحباط بآليات تفاؤلية عملية تزيل هذا الاحباط. فلنبلور هذه التجمعات إلى برامج عملية تدفع باتجاه تحقيق المطالب وفق الواقعية وعبر المؤسسات من خلال لجان تحقيق ورصد للمؤسسات والوزارات، مع توثيق ذلك لا للإحراج وإنما للتصحيح والإصلاح. أما بالنسبة إلى الحكومة، فأعتقد أنها بحاجة إلى بعض التنازلات في مواقع مهمة، منها اتخاذ تدابير جدية للحد من إثراء بعض المسئولين، سواء كانوا وزراء أو وكلاء... الخ. وأن تعمل على الإسراع في مشروعاتها الخدمية من سكن وعمل، وأن تستثمر ارتفاع أسعار النفط في دعم البنى التحتية للقرى والمدن، وأن تقوم بالحد من ظاهرة التمييز المتفاقمة وهي ظاهرة مقلقة لنا، سواء على مستوى التعيينات في المناصب المهمة أو غيرها.
أملنا في الاخوة ضبط الخطاب والدخول في شراكة وطنية لتحقيق المطالب الشعبية بعيداً عن خطاب الانفعال، ونتمنى من الحكومة أن تبادر بإطلاق سراح المعتقلين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 786 - السبت 30 أكتوبر 2004م الموافق 16 رمضان 1425هـ