قال المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله في خطبة الجمعة أمس أن هناك ضجة في الكيان الصهيوني بشأن قرار الانسحاب من غزة - حكومة ومجلساً - ولكن الخطة هي تدمير هذا القطاع بمجازر الجيش الوحشي الإسرائيلي الذي يحمل الذهنية النازية العنصرية التي تقتل المدنيين الفلسطينيين حتى الأطفال، وتشرّدهم من بيوتهم، وتجرف مزارعهم، كما حدث أخيراً في خان يونس، من دون أن نسمع أيّ استنكار أميركي أو أوروبي، أو موقف عربي أو إسلامي رافض لذلك كله... لأن المطلوب - إسرائيلياً - أن يتسلّم الشعب الفلسطيني غزة «قاعاً صفصفاً»، بحيث لا يملك هذا الشعب البقاء فيها إلا بدمار شامل.
ومن الطريف أن العالم - بعد قرار معاداة السامية الذي وقّعه بوش - أصبح يخشى من الإدانة الأميركية إذا قام بإدانة «إسرائيل» على اجتياحاتها التدميرية بحجة معاداته للسامية، حتى لو كان العرب أكثر أصالة في العرق السامي من اليهود... إنه عالم لا ضمير له.
وأميركا هذه التي يقدّم رئيسها نفسه كحامٍ لحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية في العالم، تصفها اللجنة الدولية لحقوق الإنسان - في تقريرها - بأنها لم تحترم حقوق الإنسان في تعذيب السجناء في العراق وأفغانستان و«غوانتنامو» وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها، بإشراف المسئولين الكبار في الإدارة الأميركية.
أما العراق، فقد دخل في مرحلة تصعيدية يشترك فيها أكثر من طرف في زيادة آلام الشعب العراقي، وفي استنزافه لمصلحة المحتل بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي تحريك الفوضى الأمنية التي قد تعطّل الانتخابات بطريقة وبأخرى، الأمر الذي قد يوحي بأن من الصعب حصول العراق على الاستقرار الأمني في ظل الاحتلال الذي أصبحت قواته مشغولة بالدفاع عن نفسها لا عن الشعب العراقي.
ومن جانب آخر، فإننا نتساءل عن تلك المجموعات التي تعطي لنفسها صفة الإسلامية أو المقاومة العراقية، ثم تقوم بتصفية العراقيين وتطارد رجال الشرطة والحرس الوطني والمدنيين بمختلف مواقعهم وأعمارهم، فيما تقل فيه قتلى الجنود الأميركيين؟!
إن هذه الطريقة ليست أسلوباً إسلامياً، ولا يمكن أن تساهم في تحرير العراق من المحتل، وخصوصاً ان المحتل يضعها في خانة الحرب الأهلية... وما يثير الدهشة والغضب والمأساة خطف الأطفال بهدف الابتزاز المالي والتهديد بقتلهم، وخطف النساء العاملات في الحقل الإنساني... إن هذه الصورة تشوّه صدقية الشعب العراقي الذي لا توافق أكثريته على هذه الأعمال الشنيعة.
إننا نريد للعراق مستقبلاً حراً حضارياً يصنعه أهله، ليبدأ مسيرته الجديدة ويحقق دوره الحضاري الإسلامي في حركة الشعوب المتقدّمة، على أساس الوحدة المنفتحة على تكامل الطاقات المبدعة التي يملكها هذا الشعب العظيم.
وفي مجال آخر، نتوقف عند المجزرة الرهيبة الموجَّهة ضد المسلمين الصائمين المتظاهرين بطريقة سلمية احتجاجية في تايلند، والتي سقط فيها 84 مسلماً صائماً...
إننا نستنكر هذه الوحشية اللاإنسانية التي قامت بها سلطات البلد التي لابد أن تتحمّل المسئولية الكبرى، لتقوم بالتحقيق بشأن الجهات التي قامت بذلك، وأن تعطي المسلمين حقوقهم المدنية في التعبير والتظاهر لمصلحة مطالبهم العادلة، ونريد للمسلمين وللأحرار في العالم أن يستنكروا ذلك تعبيراً عن الاهتمام بالمطالب المحقة للشعوب المقهورة والمستضعفة في العالم.
والى جانب ذلك، فإننا نستنكر ما يقوم به بعض المتطرفين المتخلّفين الإرهابيين من قتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ في الجزائر، تحت عناوين إسلامية لا علاقة لهم بها، لأن الإسلام يرفض كل هذه الأساليب الوحشية التكفيرية.
وعلى خط آخر، فإننا نتابع الحركة الأوروبية الخاضعة للضغوط الأميركية في الملف النووي الإيراني السلمي، تحت تأثير الخطة الإسرائيلية التي تخشى من الخبرة الإيرانية النووية السلمية في قلقها من تحوّلها الى مشروع عسكري نووي، وتحاول التهديد بقصف المفاعل الإيراني مستندة الى الدعم الأميركي والأوروبي الذي قد يحوّل القضية الى مجلس الأمن، لفرض عقوبات اقتصادية على إيران..
لقد انحازت أوروبا الى أميركا لتثبت لها انسجامها معها في العمل المشترك، غير عابئة بالأصوات العربية والإسلامية التي تطالب بخلو المنطقة من الأسلحة النووية، بما فيها السلاح الإسرائيلي... ولكن «إسرائيل» تبقى الولد المدلل أميركياً وأوروبياً على حساب الشعوب العربية والإسلامية، الأمر الذي يوحي بأن الأوروبيين لا يحترمون مصالحنا الحيوية إلا بطريقة نفاقية تلتقي بمصالح أميركا و«إسرائيل».
أما لبنان الذي يواجه تدخّلاً أميركياً سافراً في شئونه الداخلية، حتى على صعيد مهاجمة التشكيلة الحكومية في خصوصياتها اللبنانية، بالتكامل مع بعض الجهات الداخلية اللبنانية في مواجهة الأوضاع السياسية مهما تكن إيجابياتها، على أساس المطالب التعجيزية غير الواقعية، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن طريقة تأليف الحكومات في المحاصصة والتسويات هي نفسها طريقة الحكومات السابقة التي كان البعض في النادي السياسي جزءاً منها..
إننا لا نريد إعطاء موقف إيجابي للحكومة الحاضرة، ولكننا نريد أن نقول: إن الوطن لا يتحمّل الفراغ، وإن المطلوب من الجميع السعي الى وفاق وطني تلتقي فيه كل الأطراف على طاولة الحوار من دون تهويل أو تخوين أو ضغط أو سخرية أو استهزاء، أو استقواء بالقرار 1559 لتهديد من يُراد تهديده لبنانياً أو سورياً.
إن الجهات الخارجية تبحث عن مصالحها، فلماذا لا يبحث اللبنانيون - معارضة وموالاة - عن مصالح الشعب اللبناني الغارق في أزماته المعيشية الخانقة، في الكهرباء والفساد والهدر والفوضى السياسية والخلفيات الطائفية المتستّرة بواجهات وطنية؟
إننا في الوقت الذي نؤكد فيه حق اللبنانيين - بمختلف انتماءاتهم - بإبداء رأيهم حيال الوضع السياسي والاقتصادي في البلد، أو عن تشكيل الحكومة وغيرها من القضايا، إلا أننا نريد لهذه المواقف أن تتحرك بعيداً عن الدائرة التي يستغلها الآخرون لزيادة ضغوطهم على الواقع اللبناني بما يؤثّر على مستقبله، وعلى المساعي والجهود الرامية لإخراجه من الدوّامة الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 785 - الجمعة 29 أكتوبر 2004م الموافق 15 رمضان 1425هـ