يعتقد بعض الآباء أنهم إذا منحوا أبناءهم حرية مطلقة في اختيار الأوقات التي يقومون خلالها بأداء واجباتهم المدرسية أو ما يتعلق بخروجهم مع أصدقائهم... فإن ذلك ينمي لديهم القدرة على تحمل المسئولية والثقة بأنفسهم... لكنهم أيضاً يرون أن هذه الثقة الكبيرة يجب أن تتم مراجعتها مع أبنائهم إذا لم يبدوا تحملاً لمسئولية قراراتهم... فيبدأون في حرمانهم من هذه الحرية شيئاً فشيئاً ليدركوا أخطاءهم... ويتراجعوا عنها حتى يعود إليهم ما حرموا منه من امتيازات حريتهم المسئولة.
لنستعرض مثالاً على ذلك لكي ندرك كيف يتم تطبيق هذا النوع من التربية للأبناء ومدى فائدته حتى يكون الأمر واضحاً أمام الآباء فيما يختارونه من أساليب تربوية يريدون أن تكون أساساً لتعاملهم مع أبنائهم.
محمود مراهق في السادسة عشرة من عمره... تعود أن يقوم بواجباته اليومية المنزلية والدراسية من دون أن يحتاج إلى تذكير من والديه... إذ تعود أن يكون مسئولاً عن تصرفاته... ما أسعد والديه وسمحوا له بحرية اختيار قراراته. كان مستوى محمود الدراسي لا يقل عن جيد جداً وفي بعض المواد يحصل على امتياز... ولا يصاحب إلا أصدقاء يتمتعون بالمسئولية والرزانة بالنسبة إلى تصرفاتهم اليومية. وكان والداه يسمحان له بوجود أصدقائه في المنزل أثناء عدم وجودهما... ولم يفكرا أبداً في مراقبته في المدرسة من خلال مدرسيه لأنهما كانا يعتقدان أنهما في غير حاجة إلى ذلك بسبب عدم شكوى مدرسيه لأي تصرف من تصرفاته في المدرسة وكذلك لعلو درجاته الدراسية... كما ان محمود تعود أن يذهب إلى أصدقائه في يوم الإجازة الأسبوعية من دون أن يطلب الإذن من والديه... وهما راضيان على أن لا يتأخر في العودة عن الساعة الثانية عشرة مساءً.
إلا أن محمود بدأ يتغير عندما دخل سن السابعة عشرة... إذ لاحظ والداه أنه أصبح يقوم ببعض التصرفات اللامسئولة... يقضي وقتاً أطول مع أصدقائه... ويصل متأخراً إلى البيت وقت العشاء..أما في الإجازات فقد بدأ يتجاوز في عودته الساعة الثانية عشرة والنصف مساءً. في البداية... لم يبد الوالدان أي اعتراض للتغيرات التي طرأت على سلوك ابنهما لعله يعود إلى تصرفاته المسئولة مرة أخرى... ولم يكن الوالدان يعلمان أن محمود كان يمتحنهما إذا كانا سيبديان أي احتجاج أم لا حتى يستطيع أن يتمادى. وعندما سأله والده يوماً «كيف تسير دراستك هذه الأيام؟» رد محمود «على ما يرام» وعندما تساءل والده «لا أراك تقوم بأداء واجباتك المدرسية في البيت هذه الأيام؟» قال محمود «أفضل أن اكملها في مكتبة المدرسة لأنها أكثر هدوءاً من البيت» إلا أن والديه اكتشفا بعد عدة أسابيع أن الأمور ليست على ما يرام... عندما وصلت علامات محمود وكانت قد بدأت في التدهور إذ كان مستواه العام بها جيد فقط بدلاً جيد جداً وأحياناً امتياز.
بدأ القلق يسري في نفس الأب والأم من هذا التغير التدريجي... لكن محمود تدارك الموقف وأدخل في قلبهما شيئاً من الاطمئنان قائلاً لهما إنه لم يكمل بعض الأبحاث التي سيقدمها وسيستعيد علاماته السابقة قبل نهاية الفصل الأول. لكن محمود بدلاً من أن يطور من سلوكه تدهور أكثر... إذ أبدى مرة أخرى عدم مسئولية عندما ذهب إلى حفلة صديقيه عادل وسمير لأنه وعد والديه بأنه سيعود الساعة الثانية عشرة والنصف ولم يعد إلا الساعة الثانية صباحاً... وفوق ذلك كان مخموراً.
قال له والده «غداً سنناقش هذا الأمر» وفي صباح اليوم التالي... دخل محمود إلى غرفة المعيشة وهو يشعر بالقلق الشديد لما ينتظره من والده بعد كل ما فعل من تصرفات لا مسئولة. لأنه هذه المرة لن يفلت من العقاب... خصوصاً أن الغضب مرسوم على ملامح أبيه ممتزجاً بخيبة أمل شديدة في ابنه الذي كان مثالاً للرزانة والتصرفات المسئولة. اعترف محمود بخطئه قبل أن يهاجمه والده قائلاً «أعلم يا أبي أنني لم أكن شخصاً مسئولاً البارحة» سأله والده: «ومن جاء بك إلى البيت وأنت في هذه الحال؟» فرد: «صديقي» سأله: وهل كان مخموراً مثلك؟ نكس محمود رأسه خجلاً وأجاب: نعم... لكنه استطاع أن يوصلنا بسلام: أجاب والده بغضب: وماذا لو تسبب في حدوث حادث لكما... أو لأحد في الطريق... ألم تفكرا في ذلك... ألم تفكرا أنه من الممكن أن يقبض الشرطي عليكما وأنتما في حال سكر؟ رد محمود «لم نفكر في ذلك» قال والده «لماذا لم تتصل بي لأعيدك؟» قال محمود «كنت أخاف أن تعلما فأقع في متاعب كثيرة» وقرر الوالدان حرمان ابنهما من امتيازاته الكثيرة لمدة أسبوع... ثم سيقيمان سلوك محمود بعد ذلك.
في الأسبوع المقبل سنتابع كيف تعامل الوالدان مع المشكلة بمساعدة خبير نفساني ليستعيد شخصيته المسئولة
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 785 - الجمعة 29 أكتوبر 2004م الموافق 15 رمضان 1425هـ