مساء أمس الاول عادت بعض المظاهر التي لا نود رؤيتها في بلادنا. فمن جانب كان هناك تعطيل لحركة السير ودعوات للتصعيد واستجابة من شباب يمتلك طاقات معطلة بسبب الاحباط السياسي، ويجدون في هذه الدعوات تنفيسا لتلك الطاقات. وعلى رغم دعوة شخصية دينية كبيرة مثل الشيخ عيسى قاسم لعدم التصعيد، وهو ما أكده في خطبة الجمعة أمس عندما اشار الى انه ضد استفزاز الحكومة، على رغم كل ذلك مازالت حركة التصعيد مستمرة. وهناك أمور متداخلة وينبغي ان ننظر اليها بدقة لكي لا يختلط هذا بذاك، او ان تطلق العبارات التي قرأناها في البيان غير الصحيح الذي أصدره مجلس النواب.
فمن جانب، هناك حق التعبير عن الرأي، ولكن هذا له شروطه، ومن شروطه استخدام وسائل سلمية ووسائل لاتعطل حياة الآخرين. فما ذنب الذين يزورون البحرين من السعودية لكي تتعطل سياراتهم وهم يدخلون البحرين؟ وماذنب من احتاج إلى ان ينقل مريضا ان يتعطل على احد الشوارع العامة؟ وماذنب اصحاب الأعمال في منطقة السيف فيما لو تضرروا بسبب الاختناق المروري؟
الذين يودون ان يعبروا عن تضمانهم مع هذه القضية او تلك يمكنهم - ومن حقهم - ان يفعلوا ذلك. ولكن عليهم ايضا ان يستخدموا عبارات غير استفزازية، وغير شخصية، والا فان ذلك سيكون مدخلا لتصرف مضاد، حتى لو كان مخالفا لحقوق الانسان.
ثم ان هناك حالاً جديدة، وهي جديدة لانها لا تتحدى الحكومة فقط،وانما تتحدى دعوة شخصية مخلصة مثل الشيخ عيسى قاسم. وبحسب ما ورد الى مسامعي، فان البعض لم يكن سيتحدى الا بعد أن تحدث الشيخ عيسى، والهدف هو اثبات الذات في مقابل الخط الذي يمثله الشيخ عيسى. نعم نطالب بالافراج عن الناشط عبدالهادي الخواجة، ونطالب بعودة المركز، ونطالب بالحق في انتقاد السلطة، ولكن كل ذلك ينبغي ان يكون ضمن اطار أوضح، له مشروعيته ودعمه الواضح من الفعاليات السياسية والاجتماعية والدينية.
ولكي لا تختلط الامور ايضا، فان الهجمة المضادة من قبل البعض ضد المعارضة واتهامها بالالتقاء بالسفارة البريطانية، وأضيفت الاميركية لاحقا، فانها استفزازية وغير مقبولة ومردودة على قائلها، وهي محاولة لتبرير اعادة اجواء قانون أمن الدولة الجائر.
ربما ان الاكثرية المعتدلة داخل جميع الاتجاهات محتارة في أمرها، فهي لا تود ان تكون «شرطيا» لقمع الحريات التي تمتعنا بها ثلاث سنوات ونأمل ألا نرى نهايتها، لانها مصدر عزة وكرامة. كما ان الاكثرية المعتدلة لا تود ان يتسلم زمام أمورها كل من يود تأجيج الاوضاع او تصعيد الصدام بما يؤدي الى نتائج عكسية وسلبية على الجميع.
الاكثرية المعتدلة غير مرتاحة من التراجعات في العملية الاصلاحية والتأخير في التشريعات والشلل البيروقراطي واستمرار ممارسات الإدارة الماضية، ولكن ايضا لا يوجد ارتياح من الخطاب التشكيكي المطلق الذي يتفنن في تلوين كل شيء باللون الاسود وكأن البحرين لم تتقدم ولا خطوة واحدة إلى الأمام. فكل شخص يزور البلدان الأخرى يعلم مقدار الحرية «النسبية» التي نتمتع بها. فماعدا الكويت ولبنان والمغرب، فانه لاتوجد بلاد عربية أخرى تتمتع بما نتمتع به في البحرين من حيوية اجتماعية ونشاطات سياسية ودينية وثقافية. فهل ننتظر ان نخسر كل هذا فقط من أجل ان تتحقق «نبوءة» المتشائمين جدا، ومن ثم نعود ونطالب بأقل مما هو لدينا الآن؟ هذه الاستفسارات وغيرها نستطيع التحدث بها حاليا، لاننا لسنا بالسوء الذي يصوره البعض
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 785 - الجمعة 29 أكتوبر 2004م الموافق 15 رمضان 1425هـ