كم هو عدد الخادمات اللاتي يتعرضن لإساءة المعاملة داخل المنازل التي يعملن فيها؟ وما هي أنواع الإساءة؟ وكيف يمكن حماية هؤلاء الخادمات؟ أسئلة كثيرة تنهال على من يحقق في وضع الخادمات، ولا يكاد يصدق من له قلب سليم بعض ما يجري في بلد مثل البحرين يدّعي شعبه الإيمان بدين محمد (ص) بينما يلقى بنو البشر صنوف العذاب فيه بصورة يومية.
يوجد في البحرين حوالي 45 ألف خادمة يعملن في المنازل، وهناك قرابة 75 ألف أسرة بحرينية، بمعنى أن أكثر من نصف الأسر تعتمد على الخادمة. والخادمة أصبحت الآن جزءاً أساسياً في حياتنا اليومية وخصوصاً بعد أن دخلت المرأة ميدان العمل مع زوجها وبالتالي فهي لكثير من الأسر ليست رفاهية وإنما ضرورة حياتية.
بادئ ذي بدء يتقدم صاحب الطلب إلى أحد مكاتب استجلاب الخدم... وهذه المكاتب ليس عليها رقيب. فهي تتعامل مع آخرين في بلد مثل اندونيسيا لإرسال أعداد من الخادمات حسب الطلب. وفي كثير من الأحيان فإن المعلومات المكتوبة في الوثائق غير صحيحة إذ يتم تكبير عمر الفتاة من 15 سنة مثلا إلى 20 سنة، لذلك لا يمكن تصديق معظم البيانات.
وعندما يتقدم شخص ما بطلب إلى خادمة، فإن المكتب يجلبها ربما قبل الموعد، وخلال هذه الفترة يقوم باستخدامها في المكتب للقيام بأعمال شتى وفي أكثر الأحيان - ان لم يكن في جميعها - لا تحصل الخادمة على أجر مقابل ما تقوم به أثناء وجودها في المكتب.
المكاتب بعضها أشبه «بسفن العبيد» القديمة إذ الوجوه مُكْفهِرّة وأعين الخادمات المسكينات تنتظر من يلتقطهن. بعض أصحاب المكاتب لديهم «عدة» لتعذيب الخادمات، بمجرد أن يشتكي أحد الأفراد من خادمة معينة فإن صاحب المكتب يقوم بضرب المشتكى عليها.
تقول إحدى النساء «طلبت خادمة وحصلت على واحدة يبدو أن عمرها صغير. وفي الأسبوع الأول بدأت أفقد بعض الأموال والحاجيات فقررت إلغاء الطلب وأخذت الخادمة مع زوجي وذهبنا إلى صاحب المكتب واشتكينا عليها وطلبنا إلغاء العقد، ولكن صاحب المكتب قال (أنا أعرف لها)... أخذها إلى الداخل وأوجعها ضرباً أمام الخادمات الأخريات ثم أعادها إلينا وقال: (إذا كررت فعلتها تعالوا بها مرة أخرى)».
شخص آخر تحدث إلى «الوسط» قائلاً: «ان أحد أصحاب المكاتب علق إحدى الخادمات في المروحية وعذبها عذاباً شديداً لسبب مشابه».
الخادمات ينتقلن إلى المنازل وهناك ينتظرهن إما حظ سيئ أو حسن. فصاحبة المنزل ربما تكون قاسية وتضربها أو تفرض عليها ظروفاً لا تناسب البشر، ولكن الخادمات ليست لهن وسيلة للشكوى لأحد، لأن صاحب المنزل له كامل السيطرة.
بعض أصحاب المنازل يعتدي على الخادمات جنسياً وبعضهم يحرمهن من المعاش الشهري والبعض يعاملهن كما يعامل شخص ما أحد حيواناته فيأمرهن بتنظيف منازل الآخرين لاسيما أقاربه من دون مكافأة إضافية، والويل لها إن عارضت أوامره.
ليس واضحاً عدد اللاتي يتعرضن للإيذاء، ولكن الاحصاءات تقول ان ذلك ربما يكون في حدود 500 خادمة، إذ ان الأكثرية يحصلن على أسر لديها ذوق ولديها ضمير، ولكن هناك من يقع ضحية أسرة سيئة.
وقبل عدة أسابيع نقلت «الوسط» قصة إحدى الاندونيسيات التي رميت في مستشفى السلمانية بعد أن ضربتها مخدومتها بأنبوب المكنسة الكهربائية وجرحتها بالسكين في يدها، وكانت الخادمة منسية في المستشفى، وبعد أن نشرت «الوسط» قصتها لم يُعرف شيء عنها. فليس هناك من يراقب ما يحصل لهؤلاء النسوة، كما ان كثيراً من الأسر لا تخشى العقاب وربما تواصل ما كانت تقوم به حتى بعد اكتشافها.
قبل حلّه، كان مركز البحرين لحقوق الإنسان يدافع عن الخادمات عندما يتم اكتشاف إحدى الحالات، ولكن حتى المركز لم تكن لديه كل الاستعدادات لحماية النساء اللاتي لا تهتم بلادهن بتوفير الحماية لهن. فحتى لو أوصل أحد الأشخاص الأمر للمسئولين في هذه الدولة أو تلك فالاحتمال الأكبر هو عدم الاكتراث.
وأخيراً شرعت مجموعة من الناشطين في تأسيس جمعية لمكافحة العنف الأسري، ولكن لا يبدو أن الجمعية قد فكرت في الخادمات ولذلك فإن حديث مؤسسيها يتركز على العنف الموجه ضد الزوجة أو الأطفال متناسين أن هناك بشراً يطلق عليه «خادمات» يعشن داخل الأسر، وسواء رضينا أو رفضنا فإنهم جزء من الأسرة وأي عنف يطالهن فهو عنف أسري أيضا.
لا يوجد في البحرين قانون يحمي خدم المنازل ولا توجد هيئات مراقبة على مكاتب استقدام الخدم، ولا يبدو ان هذا محل اهتمام الجمعيات الأهلية أو الجهات الرسمية، فيما يعتبر عاراً على جبين مجتمع يتحدث عن إيمانه بالإسلام ديناً.
هذا وكانت دراسة خليجية رسمية قد ذكرت ان ما يربو على مليونين من خادمات المنازل في دول الخليج العربية يمارسن أعمالهن من دون غطاء قانوني، ويواجهن مشكلات متعددة في مقدمتها سوء المعاملة والانتهاكات الجنسية، إضافة إلى عدم دفع الرواتب أو التأخر في دفعها.
وقالت الدراسة التي قدمت إلى وزراء الشئون الاجتماعية والعمل لدول الخليج الذين عقدوا اجتماعا لهم مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري في الكويت ان هناك جوانب سلبية يتركها التوظيف المفرط للخادمات على المجتمعات الخليجية.
وقام بالدراسة المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية والعمل لدول الخليج اعتمادا على بيانات رسمية قامت الدول الأعضاء بتوفيرها. واتفق الوزراء على توصية لتنظيم ملتقى لمناقشة واقتراح الآليات والاجراءات الكفيلة بمعالجة المشكلات التي تواجه العمالة المنزلية في دول مجلس التعاون وإعداد مشروع قانون مرجعي موحد لهذه العمالة. وأشارت الدراسة التي حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منها إلى أن العمالة المنزلية لا تخضع لقانون العمل في أي من دول مجلس التعاون الخليجي الست. والدولة الوحيدة التي تملك قانوناً خاصاً بهذا الشأن هي الكويت غير أنه فشل في وقف الاعتداءات على الخدم.
وتطبق البحرين جزءاً من قانون العمل على الخدم لكن لا توجد حماية قانونية لهذه العمالة في أي من الدول الأخرى خارج نطاق القوانين العامة.
وأكدت الدراسة ان الضرب من قبل المخدوم وعدم مراعاة انسانية الخدم إضافة إلى التحرشات الجنسية تأتي في مقدمة المشكلات التي تواجهها الخادمات. ومن المشكلات الأخرى عدم دفع الرواتب أو التأخر في دفعها وتكليف الخادمات ببعض الأعمال التي تفوق طاقاتهن وعدم اعطائهن وقتا كافيا للراحة إضافة إلى عدم التكيف مع عادات المجتمعات العربية وتقاليدها. ولا تمنح العائلات أيضا راحة أسبوعية للخادمات اللواتي يجبرن على العمل لساعات طويلة.
وتفوق التحويلات المالية السنوية لهذه العمالة إلى بلدانها 25 مليار دولار. وتأتي الغالبية العظمى من العمالة المنزلية من الهند وسريلانكا وبنغلاديش والفلبين واندونيسيا وباكستان، وفي غالبية الأحيان من الريف وأكثر من نصفها من الأميات أو شبه الأميات.
في 6 يناير/ كانون الثاني 2004 نشرت «الوسط» عدة حالات لخدم تعرضن للضرب والاهانة والاغتصاب. وتحدثت «الوسط» عن فتري بينتا «اندونيسية» من مواليد 14 ابريل/ نيسان 1989، والتي كانت جالسة في أحد شوارع المحرق عندما لفتت انتباه أحد متطوعي المجموعة. كانت تبكي وهي خائفة ويبدو عليها الإعياء بشكل كبير. قصتها تبدأ من اندونيسيا، إذ أبلغتها وكالة الأيدي العاملة هناك أنها ستعمل في البحرين براتب 50 دينارا بحرينيا.
وصلت قبل خمسة أشهر وعملت لدى إحدى الأسر البحرينية لمدة شهرين، لكنها حصلت على راتب شهر واحد وكان المبلغ 40 دينارا فقط. راتب الشهر الأول لم تتسلمه بل ذهب إلى مكتب الأيدي العاملة المحلي الذي جلبها. بحسب بينتا، فإن الأسرة الأولى التي عملت لديها لم تستطع التعامل معها بسبب حاجز اللغة، فقامت بإعادتها إلى مكتب الأيدي العاملة وهناك تم حبسها في المكتب لعدة أسابيع.
ثم قام مركز البحرين لحقوق الإنسان بإرسال رسالة إلى مركز شرطة المحرق، وكذلك إلى إدارة الهجرة والجوازات، ووزارة العمل والشئون الاجتماعية، ووزارة الخارجية، كي تتمكن الخادمة من الحصول على جواز سفرها المحتجز لدى الكفيل كي يتم إرسالها إلى بلدها الأصلي. ولاتزال بينتا تعيش في بيت أحد المتطوعين حتى يتم حل مشكلتها.
المواطنة السريلانكية «راسيكا» بعثت إلى مركز شرطة القضيبية رسالة في 9 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي تقول فيها: «انا مواطنة سريلانكية وصلت إلى البحرين في الأول من يونيو/ حزيران 2003 للعمل خادمة في منزل بواسطة مكتب أيدي عاملة (تحتفظ «الوسط» باسم المكتب).
وتضيف «لأنني أجهل اللغة، فإن العائلات البحرينية التي أرسلت للعمل لديها أعادتني من جديد إلى مكتب الأيدي العاملة، وهناك بقيت سجينة. تعرضت غالبية المجموعة إن لم تكن كلها لاعتداءات جسدية في المكتب، هناك قامت خادمة تدعى (شانتي) بإعطائي رقم هاتف لسيدة تدعى (آنو) قائلة ان بإمكاني الاتصال بها في حال احتجت إلى أية مساعدة، وان عليّ الهروب من المكتب أو أي منزل سأعمل فيه مستقبلا. ولأنني صدقت ذلك، فلقت قمت بالهرب من منزل أرسلت للعمل فيه».
خادمة سريلانكية أخرى تدعى «ريشانا» حضرت إلى البحرين في شهر أغسطس/آب 2003 عن طريق مكتب للأيدي العاملة والذي أرسلها بدوره إلى منزل إحدى الأسر البحرينية. وبحسب شكواها فإن مخدومها بدأ يتحرش بها جنسيا بعد ثلاثة أيام من بدء عملها في المنزل، وحاولت إخبار الزوجة فلم تصدقها. وتقول ريشانا انه بعد مرور 17 يوما على عملها في المنزل، اغتنم الزوج غياب الأسرة خارج المنزل وقام بالاعتداء عليها بالضرب ثم قام بربطها بملابسها الممزقة وغطى وجهها بغترته وقام بالاعتداء عليها جنسيا لأكثر من مرة في ساعات معدودة.
خادمة هندية تدعى «انيتا ديفي» (28عاما) تقول إنها وصلت البحرين في شهر يوليو/ تموز 2002 وعملت لدى أسرة هندية. وبحسب انيتا فإن سوء المعاملة التي تعرضت لها شملت الاعتداء بالضرب والتعذيب المتعمد بأدوات حادة، إذ كانت ربة المنزل تقوم بتسخين أجسام معدنية تحرق جسمها بها.
وتقول انيتا إن الزوج والزوجة كانا يشتركان في تعذيبها وضربها، وان ربة المنزل كانت تقوم أيضا بعضها بأسنانها في مواقع مختلفة من جسمها. وتضيف بأنها عملت أيضا لشهور من دون مرتب، كما منعتها هذه الأسرة من الاتصال بعائلتها في الهند إذ كانت حبيسة المنزل ولم تسمح لها الأسرة بالخروج منه.
تضيف أن الجيران هم الذين بادروا إلى مساعدتها عندما كانت تتعرض للضرب من قبل الزوجين، إذ قاموا بالاتصال بالشرطة التي نقلتها إلى مجمع السلمانية لعلاجها من الإصابات التي لحقت بها وتحفظت على مخدومها.
وفي 29 سبتمبر/ أيلول 2004 كتبت «الوسط» عن الخادمة «م.س» التي تعرضت لضرب مبرح على يد مخدومتها البحرينية، ما استدعى نقلها إلى مجمع السلمانية الطبي لتلقي العلاج اللازم إذ مازالت ترقد هناك.
وكانت «م.س» اندونيسية الجنسية والبالغة من العمر 16 عاما وصلت إلى البحرين للعمل لدى أسرة بحرينية مكونة من 7 أفراد، إذ اعتادت مخدومتها على إساءة معاملتها وضربها بشكل دائم من دون أن تحصل على أي راتب شهري منذ أن بدأت عملها لدى هذه الأسرة.
وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2004 خفضت المحكمة الاستئنافية المدنية العليا برئاسة المستشار أحمد الإكيابي حكم متهمة إثيوبية من الإعدام إلى السجن المؤبد، وكانت الإثيوبية قد أدينت بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار لمخدومتها الفلبينية، بمطرقة حديد وتقطيعها بسكين عدة قطع، بعد فصل رأسها عن جسدها.
وجاء في أسباب الحكم الذي تلاه المستشار الإكيابي في الجلسة التي عقدت برئاسته وعضوية كل من المستشارين شريف عرفة، وصلاح الدين عبدالسميع، وبحضور أمين السر نايف الذوادي ووكيل النيابة عبدالرحمن بلال، ان: «المتهمة الإثيوبية والبالغة من العمر الآن 25 عاما، قامت في العام 1998م، في منطقة الرفاع الشرقي بقتل مخدومتها الفلبينية الجنسية والمتزوجة من وافد سوري الجنسية، وذلك مع سبق الإصرار، بأن بيتت النية على قتل مخدومتها، مستغلة ذهاب الزوج إلى مجمع السلمانية ليمكث هناك في فترة علاجية، وما أن غادر الزوج المنزل حتى أتت المتهمة بمطرقة حديد كانت قد أعدتها سابقا للجريمة، وانهالت بها على رأس المجني عليها وعلى أنحاء متفرقة من جسدها، بينما كانت تشاهد التلفزيون في صالة المنزل، ولم تتركها حتى سالت الدماء ولفظت الضحية أنفاسها الأخيرة، فقامت المتهمة عندها بسحبها إلى الحمام وأحضرت سكينين وذبحتها بإحداهما، وفصلت رأسها عن جسدها وقطعت أطرافها، ووضعت الرأس والقدمين والذراعين في غسالة الملابس، بينما ظل ما تبقى من الجثة في الحمام، إلى أن اكتشف أمر الجريمة، إذ عاد الزوج إلى المنزل بشكل غير متوقع، فاخبرته المتهمة بما حدث وفتح باب الحمام ليجد جثة زوجته فأسرع مذعورا إلى خارج المنزل وتم إبلاغ السلطات».
منظمة الهجرة الدولية أصدرت دراسة في يناير 2004 قالت فيها، ان زيادة الطلب في السوق هي العامل الذي يسبب الاتجار في البشر. وقالت الدراسة التي أجرتها باحثتان بريطانيتان في دول مختارة في أوروبا وآسيا إن أحوال العمالة غير المنظمة بقواعد أو قوانين لمن يحترفون البغاء والخدمة في المنازل ووفرة العرض من هؤلاء العمال تعتبر من العوامل التي تؤدي إلى استغلال المهاجرين.
وقال البحث إن هناك ثلاثة عوامل مترابطة هي مفتاح توضيح ظروف الاستغلال التي يعاني منها عدد كبير من المهاجرين الذين يعملون في الخدمة بالمنازل أو في حرفة البغاء:
أ) الطبيعة غير المنظمة للقطاع الذي يعملون فيه بسوق العمل.
ب) الطلب المتزايد على العمالة التي يتم استغلالها.
ج) القوة والقابلية للتطويع التي تتصف بها المعايير الاجتماعية المنظمة لسلوك وتصرفات أصحاب الأعمال والزبائن
العدد 785 - الجمعة 29 أكتوبر 2004م الموافق 15 رمضان 1425هـ