ما الذي بقي لنا من الماضي؟ وما الذي استجد علينا؟ وما الذي تطور أو تبدل حتى كاد يفقد معالمه الأصلية؟... بليلة الأمس كنا نحتفل بالنصف من هذا الشهر الكريم... بليلة قرقاعونية استعد لها كل منا بطريقته الخاصة... وأقول الخاصة لأنها - وبحسب ما أرى حالياً ورأيت سابقاً وما يزور مسامعي في كل ليلة من هذه الليالي المباركة من كل سنة - فقدت صفة التوحد في الصفة والعطية والأغنية وحتى في كيس الغنائم نفسه!
بالأمس بالكاد كنا نميز بين كيسنا وأكياس الآخرين... وإن فرغنا هذه الأكياس من محتواها وتجمعنا لحصد غنائم الليلة الفضيلة لن نجد ما يجعل الواحد منا باشا على الآخر إلا بـ 25 فلساً كانت غنيمة أحد البيوت التي فاته زيارتها أسوة باقرانه!... الأغنية التي كنا نرددها واحدة لا تخلو من ابتهالات دينية والصلاة على خير الأنام وعلى آله وصحبه أجمعين... هذا إذا ما استثنينا ما تحييه عادة المساجد والمآتم في مثل هذه المناسبة العظيمة.
الشوارع والأطفال وحتى مقسمي الغائم يتجملون جميعاً بطابع تراثي شعبي يجعلك تعيش في زمن غير هذا الزمن... ترى البهجة معتلية وجوه الجميع صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونسائهم، فالكل في حال فرح يتبادلون التهنئة باليوم الجليل داعين أن تعود الليلة باليمن والبركات السنة المقبلة وكل سنة.
واليوم، يبدو أن التطور والتكنولوجيا المزعومة طالت حتى أيامنا الجميلة تلك وحولتها إلى ما يشبه حفلة صاخبة، كل يستعرض فيها بضاعته التي خطط لها شهوراً وأياماً وربما سافر لتجهيز حاله إلى أرقى البلدان أو تلك التي يعرف بأن مراده سيجده فيها وبما «يبط» به عين فلانة أو زوجة فلان أو فلان نفسه!... وأغانينا وابتهالاتنا الدينية حولت بقدرة قادر إلى طبول وزعيق فلانة وعلانة من المطربات ممن أزغن قلوب وعيون الرجال فدفعن بزوجاتهم إلى تقليدهن علهن يلحقن البقية الباقية منهم... وإزاء هذه الحال تحول دعاؤنا لله بتقبل الصيام والتوبة إلى دعاء بنصرتنا على هؤلاء المطربات وإبعاد سحرهن عن أزواجنا وأبنائنا، بل وحتى علينا!
وإن جئنا لحصد الغنائم لا شك أن أمثالنا سيترحم على «نفور» زمان ويتمنى في لحظة من اللحظات أن يعود طفلاً صغيراً ولكن في هذا الزمن حتى يحمل أكبر كيس مزكرش بأبدع الصور أو بتفنن ما بعده فن، يحوي ما لذ وطاب من الطعام والحلويات وأكياس «المينو» والعلكة بالإضافة إلى البالونات بجميع أشكالها وألوانها وأعواد الليزر والزمامير... هذا إذا ما استثنينا النقود التي يجب ألا تقل عن خمسين فلسا في أسوأ الحالات!...
يحصل ذلك في بيوت الفريج الواحد... أما قرقاعون المكاتب وما يتداوله الأصدقاء فيما بينهم هذا باسم عياله وذاك باسم إخوانه فحدث ولا حرج... فوادعا لكيس القرقاعون وأهلاً بالابتكارات الفنية التي تجعل من «الناصفة» تحفة رائعة يمكنك أن تزين بها بيتك... وكل يتفاخر بما صنعت يداه أو بذر من أموال ذهبت للمحلات التي ما فتئت تستغل أية مناسبة لتخرج علينا بتحفها وزينتها حتى تسلبنا عقولنا ومن ثم لا نتردد أبداً في تقديم ما في الجيب عربونا لأحلى قرقاعون يجعلنا نرفع الرأس والأنف عاليا أمام اقراننا!
أظننا - والحال هذه والمنافسة محتدمة بيننا وإبداعاتنا في تكشف يوما عن يوم - نصلح لأن ننظم مسابقة نستطيع بها حسم المبارزة واختيار ملكة جمال القرقاعون... ولما لا؟ في زمن العجائب وتبدل الأحوال لا استغرب أبداً ممن سيطلع علينا متبنياً لهذا المقترح، مخصصاً جوائز قيمة للفائزين فيخرج بها عن نمط المسابقات المعهودة في هذا الشهر الفضيل وما أكثرها... فلتستعدوا من الآن وموعدنا في شهر رمضان المقبل، ومسابقة غير شكل
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ
