العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ

حين تتحدث البحرين «الأم» إلى ابنائها الأغنياء فقط!

سيد جعفر العلوي comments [at] alwasatnews.com

بسم الله - سلام عليكم وتحية لكم، أنا وطنكم، وأمكم الكبرى «البحرين»، في حديث يخصكم. نعم أنتم أبنائي الذين أعززتهم، وفتحت لكم خزائن ثرواتي، وبحمد الله أنتم في بحبوحة من العيش، تتقلبون على ثراي، وأنا سعيدة بكم. كم يفرحني أن تتجولوا بسياراتكم المريحة وتلامسون أرضي، وأعينكم مرحى، تنامون باطمئنان، وتستيقظون لتأكلوا ما لذ وطاب. ففي أرضي لا تشعرون بحر ولا قيظ، فأجهزة التكييف أينما تذهبوا، في بيوتكم العامرة، في سياراتكم المرفهة، في مراكز أعمالكم، في المجمعات، والمطاعم التي تحبون أن تذهبوا إليها. أعود وأقول أنا سعيدة أن أرى أبنائي الاغنياء متنعمين، تزهوهم الفرحة وتغبطهم السعادة، ولكن لدي على البعض منكم عتاب... عتاب أرجو أن تستمعوا له جيداً. لا أقوله إلا لعطفي وخوفي عليكم، فأنا أرضكم ووطنكم قد عمرت آلاف السنين، ولدي خبرة فيما هو أصلح لأبنائي، فقد عاش على ترابي هذا مئات الآلاف منهم، وها أنا أنقل لكم من مخزون خبرتي ونمير معرفتي الواسعة نصائحي لكم، فتقبلوها و لا تردوها، بل استمعوا لها، وفكروا فيها، واتبعوا أحسن ما فيها. فقد قال ربنا: «فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك أولوا الألباب» فها أنا ألفت نظركم الكريم، وأنا متأكدة أنكم لن تردوا على طلب أمكم الوطن إلا بالبر والإحسان.

أعزتي الأغنياء

كما أنتم أبنائي كذلك لدي أبناء كثيرون، تعرفونهم... يعيشون معكم، ولكني متأكدة أنكم لا تعلمون من أحوالهم إلا القليل، منهم الموظفون، ومنهم العاملون، ومنهم الكادحون، ومنهم ومنهم. وكلكم عزيز علي، ولكن يعز علي أن أرى من أخوانكم وأخواتكم الكثير الكثير ممن لم يحصلوا إلا على نزر يسير ما تتنعمون به. هل تعلمون أنهم يعيشون في أوضاع بائسة، وفي بيوت ضيقة خانقة؟! هل تدرون أن الآلاف من اخوانكم من أبنائي لا يحصلون على قوت كاف لإشباع أبنائهم؟! هل تدرون أن بعضهم ينام حيراناً، ويستيقظ متعباً من قلة ذات يده، فهذا ولده وتلك بنته الصغار يطالبونه بعطية يومية، يقولون له، بابا.. أنت لا تعطينا إلا 50 فلساً، ولا نستطيع أن نشتري بها شيئا، ومعنا في المدرسة من يحصل على دينار ودينارين يومياً. وذلك ابنه قد وصل الى سن الزواج ولكنه لا يستطيع تزويجه لقلة دخله، وهو بالكاد يحصل على ما يجعل من أولاده باقين على الحياة. هل تعلمون أن عوائل من أبنائي، لا يحصل الأب فيهم إلا على أجر قدره 120 ديناراً، أما أولاده فأحدهم يعمل في تنظيف السيارات، وآخر يعمل في محطة البترول، وثالثهم حمال في سوق الفواكه. حاولوا أن يحصلوا على وظيفة في الجهاز الحكومي، ولكن لم يقبلوا، تقدموا للدفاع فلم يقبلوا، تقدموا الى غالبية الشركات الكبرى، فلم يقبلوا.

أحبتي الأغنياء من أبنائي، هلا نظرتم الى اخوانكم وأخواتكم هؤلاء، هلا علمتم أن وطنكم لا يصلح إلا بتعاونكم معاً وإحسانكم إليهم. هلا تنازلتم عن جزء يسير مما فرضه عليكم ربكم من الزكاة والخمس لتقدموه إليهم. هلا فكرتم في معاناتهم، وأقمتم لهم مشروعات خيرية تناسب ما تملكونه من ملايين وخير عميم، أو قدمتم لهم عبر الجمعيات والصناديق الخيرية ما تعينونهم به، وعياً بذلك منكم أنه في مصلحتكم، وفيه أمنكم وسلامتكم. أتدرون عاقبة الفقر حين يلف بخناقه ضاعطاً على رقاب اخوانكم، ويشد سرباله الموجع على أبنائهم، فحينئذ تخسرون نعمة الاستقرار والأمان وتتحول حياة جميع أبنائي الى مآس مشتركة، فقد قال ربنا: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» (الانقال: 25)، فتنة تعم وتنشر أزماتها على الجميع.

أبنائي الكرام، لا تقولوا إننا حصلنا على ثرواتنا بجدنا وتعبنا وعلمنا، ونحن أحق بها. نعم أنتم أحق بها مع مراعاة الآخرين، وإلا فتلك مقولة قارون الذي خسف الله به الأرض. بل الله أنعم عليكم لتحسنوا الى إخوانكم أيضا، فالمال ماله وأنتم وكلاؤه، فإن قصرتم في اداء حقوق الفقراء والمساكين، غيّر حاله عليكم ولو بعد حين. لا تعيشوا بفكر الذين «وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله، قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، إن أنتم إلا في ضلال مبين» (يس: 47)، ولا تكونوا كالذين ضرب الله بهم مثلاً، إذ ورثوا من أبيهم بستاناً به خيرات واسعة، ولكنهم تنكروا، فقال عنهم ربنا: «إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين، ولا يستثنون» (القلم: 18,17) (نصيباً للفقراء والمحتاجين)، فطاف عليها طائف من ربك، وهم نائمون، فأصبحت كالصريم» (القلم: 20) أولئك خططوا «أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين» (القلم: 24) ولأنهم غيّروا ما كان من إحسان أبيهم، وصمموا على منع حقوق المحتاجين، فغيّر الله أحوالهم.

أحبتي أنتم معهم شركاء في الوطن، والفقر كفر قاتل، وحين تزداد ضغوط الحياة عليهم، وتستمر أحوالهم من بؤس الى بؤس، ثم لا يجدون العون والإحسان الحقيقي الذي يناسب ما تملكونه من أموال واستثمارات، فإن الله قد يبدّل أمنكم الى أزمات، وثرواتكم الى ضياع، واقتصادكم الى تخلف وإفلاس. وها أنتم تقرأون وتسمعون عن الكثير من أصحاب المليارات في أميركا والغرب ممن يبذلون ملايين للصالح العام ولتحسين ظروف الناس الفقراء الذين من حولهم.

إني أنا أمكم الوطن العزيزة عليكم أربأ بكم أن تعيشوا لأنفسكم، وتفكروا لوحدكم بعيداً عن إخوانكم من أبنائي ممن يكابدون الحياة، وتحسبونهم أغنياء من التعفف، لا يسألون الناس إلحافا. فكروا في مشرعات حقيقية، فكروا معاً في خطة وطنية لمكافحة الفقر والمسكنة، تتنافسون فيها بالتفكير الجاد والبذل والعطاء. وثقوا بربكم الكريم الذي إن رآكم تحسنون الى إخوانكم، فسيغدق عليكم من بحور إحسانه وكرمه إليكم أضعافاً مضاعفة، والله يضاعف لمن يشاء بغير حساب.

أمكم الوطن..

العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً