العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ

هل تكون المحافظة السادسة... بيضة «القبان»؟

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

لأسباب جغرافية وتاريخية وسياسية وإدارية كانت المحرق أفضل اختبار لنظام المحافظات الذي طبق في البحرين منذ ما يقارب السنوات الست، فهذه الجزيرة يقطنها أكثر من 100 ألف نسمة يشكلون تقريباً 15 في المئة من سكان البحرين تتمتع بتجانس اجتماعي وتاريخ من التعايش بين أبناء البلد الواحد بمختلف طوائفه وأعراقه، لكن الانصاف الذي عاشته الجزيرة في جعلها محافظة مستقلة لم يشفع لها عند تطبيق نظام المجالس البلدية إلا من جهة المساواة في عدد الدوائر الانتخابية مع المحافظات الأخرى، بينما شاب توزيع الدوائر ذاتها كثير من التجني والإساءة إلى العلاقات الإنسانية المتميزة بين أبناء البحرين في المحرق من خلال اعتماد المعيار الطائفي البغيض أثناء رسم عدد من هذه الدوائر بشكل ساهم في تعزيز بعض التوجهات والنعرات الطائفية، وانعكس هذا الأمر حتى على الانتخابات النيابية.

ومن دون الغوص في هذه التفاصيل فإن إعادة رسم الدوائر الانتخابية في محافظة المحرق بشكل أكثر انسجاماً واتزاناً سيجعل من المحرق محافظة نموذجية لاختبار الأنظمة الإدارية والتوجهات الاستراتيجية على مستوى التنمية السياسية في بحرين الغد التي نتوق إلى العيش فيها من دون شعور أي منا بالتمييز أو التفرقة.

وبمجرد عبور جسر المحرق تبدأ الخريطة الإدارية لمحافظات البحرين تتكيف مع اللامنطق واللاعقلانية فمحافظة المنامة (العاصمة) تفقد بعضاً من أهم معالمها (عذاري) لصالح المحافظة الشمالية، ثم نراها تمد طرفها تجاه المحافظة الوسطى فتقضم أجزاءً منها «جزيرة النبيه صالح» وبين هذا الفقد وذاك القضم تعاني المنامة من قلة السكان وغرائبية التركيبة السكانية، إذ لا يزيد عدد سكانها عن 80 ألف نسمة، 35 في المئة فقط منهم من المواطنين بينما تسيطر الجاليات الأجنبية على العاصمة بنسبة 65 في المئة أي أكثر من النصف، وحين تبحث عن السبب تعرف أن هذه النسبة لا تدخل فيها مناطق كانت في إطار المنامة تاريخياً.

المنامة اليوم بحاجة إلى إعادة التوازن السكاني لها من خلال إعادة رسمها جغرافياً ربما عبر ضم السنابس والديه وجدحفص وعذاري والسهلة إلى حدود المنامة، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع عدد السكان بما لا يقل عن 30 ألف نسمة فيرتفع عدد السكان إلى حوالي 115 ألف نسمة وتصبح نسبة البحرينيين 53 في المئة، ومن ثم يعود التوازن السكاني إلى العاصمة فلا يعود البحرينيون أقلية في عاصمة بلادهم.

إن خطوة كهذه تعني إعادة رسم حدود المنامة الجغرافية أيضاً حتى اقتضى ذلك تسميتها المنامة الكبرى مثلاً من خلال التعامل مع الشوارع العامة كحدود فاصلة بين المنامة والمحافظات الأخرى وليس مجرد البحث عن الحدود في زوايا الطرقات الضيقة والحسابات الطائفية البغيضة.

أما بالنسبة إلى المحافظة الشمالية فإن حاجتها إلى مشروعات عمرانية وبنية تحتية ليست موقع خلاف عند أحد، فإذا أخذنا في الاعتبار إقرار إقامة وتنفيذ مشروع المدينة الشمالية في السنوات المقبلة، علاوة على الكثافة السكانية للقرى التي تتكون منها فإن تخفيف الثقل السكاني عن كاهل هذه المحافظة يقتضي إعادة رسم حدودها لتكون وحدة جغرافية وسكانية متماسكة أكثر مما هي عليه الآن من خلال فصل مدينة حمد والقرى القريبة منها عن المحافظة الشمالية، وهو الأمر الذي من المرجح أن يقلل من سكان المحافظة ويجعله قريباً من 100 ألف نسمة عوضاً عن الرقم الحالي الذي يتجاوز 180 ألف نسمة، إذا وضعنا في الاعتبار فصل جدحفص والقرى المحيطة بها وضمها كما أسلفنا إلى محافظة المنامة إدارياً.

وعند الحديث عن المحافظة الوسطى فإننا سنجد أن عدد سكانها يتجاوز 170 ألف نسمة حالياً، إذ إن جزيرة سترة وحدها تضم أكثر من 50 ألف نسمة، مع معرفتنا جميعاً بمدى حاجة هذه الجزيرة إلى الكثير من الجهود لتطوير المرافق والبنى التحتية بها بالإضافة إلى وجود مدن وقرى ذات كثافة سكانية عالية بها مثل مدينة عيسى وتوبلي وسند وجرداب والنويدرات والمعامير والعكر والكورة التي تضم هي الأخرى ما يقل عن 60 ألف نسمة، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى إعادة رسم من جديد بشكل يخفف من كاهلها. وهنا فإن تخلي هذه المحافظة عن بعض القرى الملحقة بها قسراً مثل عالي وسلماباد بالاضافة إلى إعادة الوحدة الى الرفاعين بضم الرفاع الشرقي إلى المحافظة الجنوبية سيساهم في إعادة رسم حدود المحافظة ويخفف من عدد السكان بها ليصل إلى 110 آلاف نسمة تقريباً وهو ما يتيح لها التخطيط والتنفيذ لبرامج التنمية والنهضة العمرانية بشكل أفضل من الآن.

وإذا أمكن التفكير والتخطيط الجدي لإعادة رسم المحافظات بهذه الطريقة فإن المحافظة الجنوبية هي الأخرى ستستفيد من إعادة التوازن السكاني من خلال إعادة سكان الرفاع الشرقي وأبوكوارة والبحير لها، وبذلك يرتفع عدد سكانها إلى ما يقارب 100 ألف نسمة و تصبح متوازنة من حيث السكان والمساحة مع المحافظات الأخرى ولا تعود هناك مشكلة في تمثيلها بلدياً أو برلمانياً، وسيكون مركزها الرئيسي الرفاعين بالإضافة إلى قرى عسكر وجو والزلاق والبحير... إلخ.

إن ذلك سيخلق الحاجة إلى إقامة محافظة سادسة تكون مدينة حمد مركزها الرئيسي وتضم إلى جانبها قرى الجسرة والهملة، دمستان وكرزكان وشهركان والمالكية وداركليب بالإضافة إلى مدينة زايد وسلماباد وعالي وبوري وهي بذلك ستحتوي على أكثر من 100 ألف نسمة، وقد تكون المحافظة السادسة هي بيضة القبان التي تعيد التوازن السكاني والمجتمعي إلى محافظات مملكة البحرين الأخرى.

إن هذه القراءة لنظام المحافظات تقتضي إعادة رسم الحدود الجغرافية لكل محافظة بحيث يتم اعتماد الحدود الطبيعية المتمثلة في الحدود البحرية أو الشوارع العامة الكبيرة التي تفصل بين المدن والتجمعات السكانية، وخصوصا ان البحرين اليوم تتمتع بطرقات متميزة ذات مواصفات عالمية.

كما أن الأخذ بهذا المقترح سيساهم في إعادة التوزيع السكاني في المحافظات بحيث تضم كل محافظة ما متوسطه 100 ألف نسمة يزيد أو يقل قليلاً بحسب ما تقتضيه الحدود الجديدة، لكن الفرق في كل الأحوال لن يتجاوز 15 في المئة في نسبة التعداد السكاني لكل محافظة، وبذلك سنتيح فرصة كبيرة لإعادة رسم الدوائر الانتخابية لكل من المجالس البلدية والمجلس النيابي بشكل مناسب.

من جهة أخرى فإن تقسيم البحرين إلى ست محافظات سيساهم في تسهيل إقرار وتنفيذ المشروعات التنموية لا سيما البنى التحتية فيها بالإضافة إلى مساعدته في تطوير المشروعات العمرانية وقد يخلق المزيد من فرص العمل من خلال التنافس في استقطاب الاستثمارات المحلية والخارجية في مجالات عدة كالسياحة والصناعة وغيرهما.

هذه دعوة مفتوحة إلى التفكير والحوار بشكل عملي في الخروج من المأزق الذي وضعتنا فيه التقسيمة الإدارية الحالية للمحافظات، ومن دون شك فإن الأخذ بهذا الاقتراح بعد دراسته من قبل المختصين سيعني إعادة رسم الدوائر الانتخابية لكل محافظة ضمن حدودها الجديدة، وهو ما سيتيح المزيد من الانسجام والتجانس

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً