العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ

كلهم قرقيعان!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زار أحد الرحالة الغربيين دولة إفريقية في القرن التاسع عشر فلاحظ أن القرود تصنع لها ما يشبه الأكواخ التي يبنيها سكان الغابة هناك، ولما يكتمل البناء تقوم بتسلقه والنوم فوقه بدل النوم داخله كما يصنع الإنسان.

وهذا هو الفرق بين الإبداع والتقليد، الذي يفرّق بين أبناء البشر وأبناء القرود. وأوضح مصاديق ذلك ما تشاهدونه على شاشات التلفزيون، وبالذات في مجال البرامج الفكاهية «المقلّدة». حينها يتحوّل «الفن» إلى صيغة من صيغ التهريج الفج. فأنت تحترم الممثل الذي يأتي بفكرة جديدة أو «نكتة» جديدة، أما إذا جاء أحدهم ليقلّد هذه النكتة (الطرفة) فإنه حتماً سيثير اشمئزازك فتقفل التلفاز.

في الأعوام السابقة اعتدنا أن نشاهد في شهر رمضان المبارك بعض البرامج التي تنقل «حرفياً» عن برامج أجنبية، بعد «تحوير» اسمها واختيار اسم «محلي» يتماشى مع البيئة، مثل الكاميرا الخفية أو صادوه أو... فتوضع كعكة بالفانيلا على باب محل تجاري لتسقط على رأس أول زبون يدخل المحل، أو يقوم الممثل «الخفيف الظل» بصفع الضحية بهذه الكعكة في وجهه، وهي نكتة «بايخة» جداً لأنها «مسروقة» من الأفلام الأولى لشارلي شابلن، أطلقها الثنائي المرح للناس منذ ثمانين عاماً على أقل تقدير في الأفلام القديمة الصامتة، ولكن مخرجينا العباقرة كانوا يصرّون على «إعادة إنتاجها» في برامج رمضان حتى سنوات قليلة ماضية.

ربما تشهد هذه الموجة من البرامج المقلَّدة انحساراً يريح أعصاب المشاهدين في هذا الشهر الكريم، والتي تدل على حال الاستلاب والتقليد الأحمق للبرامج الأجنبية، بما يدين أصحابها بالإفلاس.

وفي هذا العام نشهد دليلاً آخر على ما وصلت إليه مثل هذه البرامج الفارغة التي تنفق عليها المبالغ الطائلة، فيخرج لنا تلفزيون دولة شقيقة متفاخراً بإنتاج برنامج مثل «قرقيعان»، إذ وصل «الفن» الكوميدي إلى مستوى مزعج من التهريج. الأولى بالممثل الذي يشعر أنه وصل إلى مرحلة من الإفلاس أن ينسحب من هذا الميدان ليريح أعصاب المشاهدين، أو على الأقل يعتزل عاماً أو عامين حتى تستعيد خلاياه العصبية بعض النشاط ليستطيع تقديم مادة لا تثير الاشمئزاز، لكن «الداء العربي» بالتشبث بالكرسي والعض عليه بالنواجذ لا يقتصر على الرؤساء والحكام العرب، بل إن الجميع مصابٌ بهذه العلة، لذلك يعم البلاء وتستحكم الكوارث وتصاب الشعوب والجماهير العربية بالاشمئزاز والكآبة الدائمة، حتى أصبحت أكثر الشعوب إصابة بأمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم!

أمنيتنا أن يأتي اليوم الذي نصنع فيه أكواخنا بأنفسنا، وأن ننتج نكاتنا بأنفسنا، ونخرج من مرحلة سرقة أفكار وإبداعات الآخرين، ورحمةً بأعصابنا أيها المهرجون

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 784 - الخميس 28 أكتوبر 2004م الموافق 14 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً