العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ

سوق العمل البحريني وعملية الشريان التاجي: دراسة ماكينزي

عبدالله حداد comments [at] alwasatnews.com

اطلع الكثير على تقرير شركة ماكينزي بشأن سوق العمل والدور المرسوم للقطاع الخاص الذي يؤمل فيه تحريك وقيادة الاقتصاد، جازما أن البحرينيين سيكونون عندئذ خياره المفضل إذا طبقت هذه الاصلاحات. فما منطلقات هذه السياسة؟

توجهات الدراسة

تطالب الدراسة بعملية جراحية خطيرة في سوق العمل الحالية، لاصلاح هيكليته، فهو في الوقت الراهن يخطط مشروعاته على قوة العمل المنخفضة الأجور والمهارة، أما إذا تم اصلاح هيكلية سوق العمل وإصلاح الاقتصاد بالإضافة الى اصلاح قطاع التعليم والتدريب، فإنه سيتحول الى اقتصاد نشط ، أكثر خلقا للثروة، وذات عمالة وطنية مرتفعة الأجر وعالية المهارة.

وأظن انه لامس الصواب في هذه الدعوة من حيث المبدأ، لكن صحة معالجاته تحتاج الى مناقشة وطنية عامة، يشارك فيها أطراف العمل الثلاثة غرفة التجارة والصناعة واتحاد نقابات عمال البحرين ووزارة العمل، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني كافة، كالجمعيات السياسية والجمعيات المهنية وبقية الجمعيات الأهلية، للمشاركة في دراسة الموضوع وتبنيه والدفاع عنه.

أول خطة اقتصادية تضعها الدولة

أعتقد أنه ولأول مرة تضع الدولة خطة واضحة الهدف وتطالب بالشراكة فيها، هذا لا يعني صواب الخطة كما لا يعني عدم صحتها، فالمسألة اقتصادية متخصصة ليس نحن من يحكم عليها، فهذا شأن الاقتصاديين قبل غيرهم، لكن هذا أيضا لا يعني أننا لا يحق لنا الإدلاء برأينا فيها، فنحن معنيون ومطالبون بالمساندة أو المقاومة على ضوء موقفنا منها، فنحن عامة الناس من سيتحمل آلام تطبيق السياسة الجديدة حتى تستقيم. دورنا هو من سيحدد نجاح أو فشل الخطة. وأظن أن الشراكة تفرض سماع رأي العامة ومحاورتها سواء من خلال الصحافة أوالندوات أو نشرات مؤسسات المجتمع المدني أو من خلال الأجهزة المرئية (التلفزيون) والمسموعة (الراديو)، فإن تم ذلك فهي البشارة بأن البحرين ستكون أخيرا خيرا لأهلها وليس عين عذاري.

إنها رؤية جديرة بالدراسة، من كل حسب موقعه وكل عليه تحمل مسئولياته بدلا من النقد و«الحنّة» والعويل.

لقد تأخرنا كثيراً، والتحديات المقبلة أكثر من ذي قبل. وقريبا لن نعود دولة نفطية، ولم تَعُد العمالة الوطنية منتجة وذات مهارات تقنية مطلوبة، ولم يعد التعليم متقدما، والخدمات التي تقدمها الدولة في طريقها الى الافتقار ثم الزوال إذا استمر بنا الحال ذاته.

المساواة وسيادة القانون

اعتقد جازما أن المواطن سيكون عند حسن الظن وسيشد الحزام على البطون إذا اقتنع بجدوى الاصلاحات الثلاثة «الاصلاح الاقتصادي، واصلاح هيكلية سوق العمل، واصلاح قطاع التعليم والتدريب» لكن بشرط ألا تحدث (حال اختراق واحدة) والتعبير هنا لخالد عبدالله، السيادة للقانون والجميع متساو أمامه لا تمايز لفلان على غيره.

إصلاح التشريع

ولكي يتم هذا الاصلاح لابد أن يترافق باصلاح تشريعي جذري لضمان سياسة رقابية عالية، وشفافية معلوماتية تكشف درجة التقدم والمنجزات والمعوقات، لضمان وقوف الجميع بنفس واحد ويعمل تحت شعار واحد «الشعب جيش للإصلاح».

فحوى الدراسة

يبدو أن تقرير ماكينزي بنى رؤيته على فرضية يشاطره الكثيرون في صحتها، وهي أن فروق الكلفة بين البحرينيين والوافدين كبيرة جدا وخصوصاً في شريحة الرواتب المنخفضة، تجب إزالتها. كما يجب حسب توجهه إزالة القواعد الجامدة التي تحكم السوق ويقصد بذلك سياسة البحرنة والحد الأدنى للأجور. (وهذه نتركها للاقتصاديين لمناقشتها لأنهم أكثر معرفة بجدواها ومبررات وجودها أو ضرورة نسفها) لهذا السبب تدعو الدراسة الى أن ترتفع الرسوم بمقدار 600 دينار لرخصة العمل والتجديد بمقدارها، وعلى كل صاحب عمل أن يدفع شهريا 75 ديناراً رسماً شهرياً عن كل عامل يحتفظ به، إذ ستبلغ هذه الرسوم 200 مليون دينار سنويا ينبغي أن تصب في صندوق العمل، لتصرف على سياسة التدريب والتعليم فتخرج عمالة ماهرة مطلوبة على مستوى متطلبات سوق العمل.

(تجلب البحرين نسبة كبيرة من العمالة غير الماهرة تتدرب في السوق حتى تملك المهارة اللازمة، فإذا ما رجعت الى بلادها جاءت غيرها ليضطر صاحب العمل تدريبها من جديد لماذا؟ لأنه يمتلك حرمانها من تدوير عملها في سوق العمل بحرية مطلقة وهو ما يسمى بنظام الكفالة، أي نظام العبودية). الذي خلق ميزة للكثيرين بالاتجار فيها تحت مسمى الفيزا الحرة. ولهذا تنادي الدراسة بحرية تنقل العامل الأجنبي الى غيره من أصحاب الأعمال حتى لا تظل هذه الميزة لدى صاحب العمل فيفضله على البحريني.

(يقال إن العمالة السائبة حوالي 70 ألف رخصة تستنزف مالاً لا ينفق في السوق المحلية بل يحول مباشرة الى الخارج).

خدم المنازل

لم يستثن خدم المنازل ومن في حكمهم كالزراع والسواق من هذا التوجه في زيادة الكلفة، لئلا يكونوا طابورا خامسا أو فتحة يدخل منها الوافد فيهدم الاصلاح الموعود (سيهتز المجتمع البحريني كثيرا في هذه الناحية بعد أن تعود الاعتماد على خدم المنازل وخصوصا العائلة العاملة ما ينبغي اختيار الطريقة السلسلة والاقناع الكامل بأهميتها).

القطاع العام عدا الجيش والشرطة

استطاعت الدراسة أن تتنبأ بالخطر القادم، فقد بينت أن القطاع العام المدني لم يعد باستطاعته خلق فرص عمل جديدة، فقد وصل إلى حال التشبع، حتى صار جهازا تضخميا يستنزف 40 في المئة من موازنة الدولة على شكل رواتب، وأنه طيلة العشر سنوات المقبلة لم يستطع سوى استيعاب 2 في المئة من الوظائف «36 الف وظيفة» استوعبت 50 في المئة من إجمالي العاملين البحرينيين، وأنه لا مجال لدفع البحرينيين للعمل فيه، وإلا عليه أن يخلق اربعة أضعاف تلك الوظائف 8 في المئة «144 ألف وظيفة» ما يعني أن ذلك سيكون تكديسا من دون عائد انتاجي، وعبئاً على حساب الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها لأن الموازنة ستصرف فقط كرواتب للعاملين.

القطاع الخاص

بينت الدراسة أن القطاع الخاص ليس بأحسن حال منه، فقد أوجد 84 الف وظيفة خلال اثنتي عشرة سنة الماضية 80 في المئة منها بأجر لا يرتفع عن 200 دينار، ثلثا تلك الوظائف من نصيب العمالة الوافدة. وإذا استمر القطاع الخاص بهذا المنوال فإنه فقط سيتمكن من إيجاد 800 فرصة عمل فقط سنويا أي لن يتمكن سوى إيجاد 8000 فرصة عمل خلال السنوات العشر، بينما الداخلون للسوق لاول مرة في السنة الواحدة 8000 بحريني اي اننا نحتاج في خلال السنوات العشر المقبلة إلى 100 ألف فرصة عمل خلال العقد المقبل وليس 8000.

بينت الدراسة أن العاطلين الآن يبلغون 20 ألف عاطل وغيرهم الكثير يعملون دون رضى وظيفي، وسيبلغ العاطلون العام 2013م، 70 ألف عاطل على أقل تقدير إذا استمر الوضع الحالي، فما مصيرهم؟

هل سياسة الحكومة تعزز البحرنة؟

يمكننا برأي متواضع أن نقول إن سياسة الحكومة المتبعة غير صائبة في تعزيز قيمة العمل، فهي تدفع بالكثير للقطاع العام دفعا، أو تجعلهم يحلمون بالعمل فيه، ما يشكل عامل رفض للعمل في القطاع الخاص، سواء إن كان المواطن يعمل حقا فيه أو من يفكر في العمل فيه. فالعمل في القطاع العام (ميري) مضمون البقاء، بعيد عن التسريح التعسفي، لا زيادة عامة الا للمنتسبين اليه، ولا تقديمات خاصة «راتب شهر أو مبلغ مقطوع الا لأفراده» ولا امتيازات تأمينية إلا في صندوق التقاعد الذي يؤمن هذا القطاع، وأخيرا صارت رواتبه تنافس رواتب الفنيين والمهرة من البحرينيين في القطاع الخاص.

هذا ما جعل حلم البحريني الانتساب الى وزارة حكومية كي يتخلص من قلق رميه في الشارع يوما بلا جهة قادرة على حمايته وانصافه. ولا أجور منخفضة جراء المنافسة من العمالة منخفضة الأجر.

ما أولويات نجاح المشروع؟

1- قيادة صالحة

ومن دون الدخول في تفاصيل الخطة نعتقد أن الاصلاح يجب أن ينجح، ولكي ينجح لابد أن تتولى قيادته هيئة طوارئ عليا تعد بمثابة وزارة تخطيط، تحتوي على عناصر إدارية وتقنية وعلمية متمكنة لديها صلاحيات اتخاذ القرار، وقادرة على توقيف من يحاول اختراق هذا العمل الجماعي المأمول، متسلحة بالشفافية موضوعة تحت رقابة إدارية ومالية صارمة من صميم سلطة الشعب (البرلمان)، تتمتع بصلاحية حقيقية فعالة في صنع القرار السياسي.

2- التخلص من العمالة السائبة

يجب بداية القضاء على ظاهرة «الفري فيزا»، فهي لن تنتهي تلقائيا بمباشرة الخطة بل أنها معول هدم فيها، فهذه الفئة هي الخلل المستعصي في ميكانزم السوق «قانون العرض والطلب وعلاقته بالأجر» من العمالة البحرينية، والذي يحاول التقرير تصوير بلوغ الهدف بيقينية مطلقة من دون الاشارة لها. انها شريحة زائدة على حاجة البلد صارت تنبت عمالة مقنعة بل عاطلة تبحث عمن يستأجر قوتها لمياومة (وقد بلغت السجلات التجارية الوهمية أو التي لا توظف بحرينياً على الإطلاق 37,400 ألف أي بما يوازي 87 في المئة من السجلات التجارية العاملة في السوق).

3- معالجة الفساد الإداري والمالي

ضرورة معالجة الفساد الإداري والمالي عبر إصدار قوانين تجرم الفاسدين، تطبق على كل فاسد مهما كان موقعه أو انتماؤه أو عرقه لضمان استمرار الخطة، إعادة هيكلة وزارات الدولة لوضع الانسان النزيه المناسب في المكان المناسب، ومن دون ذلك سنصل الى باب موصود.

4- ترافق الاصلاحات الثلاثة

الاصلاح الاقتصادي واصلاح التعليم والتدريب ينبغي أن يكون مترافقاً مع اصلاح سوق العمل. فالاصلاحات الثلاثة محاور لسياسة واحدة متكاملة. إن عدم عرضها بوضوح وبشكل متوازٍ يجعل فريق المعارضين لمشروع اصلاح هيكلية سوق العمل أكثر عددا وعدة واستماتة في المقاومة من المؤيدين.

كما ان التقرير لم يتحدث عن قوة العمل التي دخلت من خلال التجنيس المكثف خلال السنوات العشر الماضية باعتبارها أحد المتغيرات السلبية الملموسة، لماذا؟ هل هي خارج حسبة الكلفة أو ليست لها علاقة بسوق العمل أم أنها قوة ايجابية في خلق الثروة في اقتصادنا المذموم؟ أم أنها ستدرس من خلال مشروع الاصلاح الاقتصادي المرتقب. سؤال مطروح يحتاج الى إجابة.

كما ان التقرير لم يتعرض لوضع المؤسسات الصغيرة المنتجة إذا كانت الكلفة ستكون في مقدورها تحملها أم أن الحكومة ستدعمها لتتقي أضرار العملية الجراحية الجانبية، أم أن مصيرها لم يدرس بعد أو غير مهم.

البحرينيون الخيار الأفضل

«سيكون البحرينيون هم الخيار الأفضل للقطاع الخاص إذا تحلوا بالانتاجية والسلوكيات والأخلاقيات الحسنة وتمسكوا بقوة العمل»، نعم سيكونون كذلك إذا تحسنت سوق العمل وسيتزن العامل البحريني مع متطلبات السوق ليس لأنه ذو اخلاق عالية وإنما لأنه مجبور على ذلك والا وجد نفسه في خارج المؤسسة عاطلاً مشرداً.

وتعتقد الخطة أن البحرينيين سيتأثرون في بادئ الأمر لكنهم سيستطيعون تحملها بعد فترة. ولكن ماذا ستعد الحكومة حتى لا يكون هذا الأثر حفرة يستغلها مناهضو الاصلاح لدفنه فيها؟

ستوجه الأموال المحصلة من الرسوم في صندوق العمل في دعم البحرينيين المتوجهين الى القطاع الخاص.

ما مواصفات هذه الإدارة لتكون مؤهلة لقيادة هذه الأموال، وما آلياتها لخضوعها للشفافية والرقابة حتى لا تكون كصندوق التقاعد وهيئة التأمينات الاجتماعية اللذين صارا مثالا غير محمود.

والطائفية... البحرين تعاني من التشغيل والتقييم الوظيفي الطائفي، ألا يحتاج الاصلاح إلى تجريم هذا السلوك لأنه سينخر الاصلاح؟

إن مؤسسات المجتمع المدني مطالبة بدراسة المشروع لتحديد عوامل النجاح لتعزيزها وابداء الرأي في معوقاتها لتلافيها

العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً