لا أحد يقبل بالإصلاح مادام يهدد مصالحه، ليس على مستوى الدول فقط ولكن أيضا على المستويات الثقافية والدينية. والديكتاتورية، فيروس منتشر في الجميع، فلا ملائكية في ذلك، فكلنا شركاء في عملية الإقصاء وقمع الآخر، اللهم إلا ما رحم ربك. ليس هنالك أحد مستعد للتنازل عن نظام مصالحه أو التفاوض في ذلك ابتداءً من القلاع المؤدلجة المحصنة ضد التغيير مروراً بالقلاع الشعبوية وانتهاءً بالقلاع الحكومية.
أنت معي مادمت توافقني في كل شيء، وأنت لست معي مادمت تحمل رؤية نقدية ولو كانت هادفة، وما جرى بالنسبة إلى المحكمة الجعفرية ومن تراجع للإصلاح ليس سببه السلطة تحديداً، وإن تباطأ الإصلاح، ولكن سببه وجود لوبيات شيعية تعمل على تطفيش الكوادر الإصلاحية في هذه القلعة وغيرها سعياً لتأمين نظام المصالح، ولعل «الخطيئة» التي حُسبت على بعض الإصلاحيين في القضاء الجعفري قراراتهم الحكيمة بتقنين إجراء عقود الزواج داخل المحكمة، وهنا نهيب بالإخوة الباقين الحفاظ على هذه الإصلاحات مع إجراء إصلاحات قادمة، وستكون محل اختبار للجميع. أعتقد أن خروج القاضيين العزيزين علي العريبي وعبدالحسين العريبي من القضاء يمثل انتكاسة حقيقية للقضاء نتمنى ألا تكون بمثابة رصاصة الرحمة لمؤسسة بقي الإصلاحيون فيها قلائل بعد خروج القاضيين المذكورين.
أساس الأزمات في البحرين هو نظام المصالح، وفي كل القلاع، وما يُمارس من ضغط وتطفيش وضرب تحت الحزام للكوادر الثقافية ذات الخلفية الإسلامية من دعاة التوازن أضعاف ما يلاقيه الآخرون من هجمات ومن تهميش يومي. وهناك عملية احتكار للحقيقة سواء كانت السياسية أو الثقافية.
ليست المخابرات في أجهزة الأمن في عالمنا العربي وحدها التي تقوم بعمليات الضرب تحت الحزام، فلو قرأنا تاريخ الكثير من الشخصيات التنويرية لعلمنا أن ما تعرضت له من تصفيات معنوية هو من المقربين منها أو أن هناك عمليات مشتركة تتقاطع فيها كل مراكز القوى للقضاء على دعاة الإصلاح الثقافي. فليس غريباً أن يقوم رجال في المدرسة الفيضية بكسر الإناء الذي شرب منه السيد مصطفى الخميني باعتباره ابناً للسيد الإمام (رحمه الله)، فقط لأن السيد الإمام كان يُدَرِّس الفلسفة، فـ «نجاسة» الفلسفة وصلت إلى الجسد ومن ثم إلى الابن إلى أن وصلت إلى حدّ كسر الإناء، وليس غريباً أن تصل إلى تكسير كل من آمن بالفلسفة.
للأسف، السياسة أقصت كل كمية الاكسجين المتبقية في منظومة القيم والأخلاق، وأصبحنا نعيش على البقية الباقية من جهاز التنفس الاصطناعي. لماذا نعيب على الحكومات سياسة القمع، ونحن ليس بوسعنا سماع نقد ناعم؟... أين المؤسسات أو القوى التي تقبل سماع الرأي الآخر؟
يقول أحد المفكرين العرب: «نحن لو ولّينا على إدارة مزرعة دواجن لحاربنا بعضنا بعضاً». والأزمة أزمة نرجسية مستفحلة بلا حدود، وعملية احتكار للمصالح. السلطة لا تريد أن تعترف بالأخطاء السابقة سواء في وزارة الكهرباء أو الصحة أو هيئتي التأمينات والتقاعد أو في خطيئة التمييز في التعيينات، والسلطة الاجتماعية هي الأخرى لا تريد أن تسمع إلا رأيها في كل قضية وفي كل ملف، مع العلم أن تداعيات أي خطأ ثقافي أو سياسي أو اجتماعي يدفع ضريبته الجميع.
وهنا، أدعو كل إخواني إلى العمل الجاد وعدم اليأس في اقتحام القلاع المحصنة والمستعصية على التغيير... صوت الاعتدال يجب أن يرتفع وأن يصل بسياسة الخطوة خطوة، لكن من دون القبول بدّس الرأس في الرمال. لنكن كالسيد الإمام والسيد محمدباقر الصدر والسيد فضل الله في تحمّل المواجع... حتى في الصحافة، فأي كاتب يخاف على نعومة يديه من جروح الصحافة خير له أن يجلس في بيته، والمستقبل هو مستقبل الاعتدال والتوازن، ولا يأس مع الحياة. ورحم الله المتنبي إذ يقول:
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا
فأهون ما يمرّ به الوحولُ
فالصحافة الآن آخذة في التغيير، والمستقبل واعد لخط الاعتدال والتوازن
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ