مهمة المجلس النيابي الأساسية هي التشريع والرقابة، وبعض من خاض التجربة إنما خاضها «مناكفة» للآخر الذي قاطع، وزيادة في عدد المترشحين ليس إلا... هذا البعض، أوقع نفسه في مأزق، وذلك ما عبر عنه أحد النواب «بتلويحه» بالاستقالة، وقوله إنه أصبح درعاً للحكومة، فالناس لا تعتب على الحكومة اليوم بل على عضو المجلس النيابي المنتخب.
في قراءة سريعة نستعرض أداء المجلس النيابي من جوانب عدة، محاولين الإحاطة بأسباب الأداء النيابي «الهزيل». ولعله من المفيد الاستعانة ببعض الجوانب التي طرحت في «استفتاء الوسط»، ومحاولة نقض أركان الأعذار التي تساق لتبرير ضعف الأداء النيابي.
أولاً: الدستور (التشريع والصلاحيات)، لا اعتقد أنه يمكننا في حال لدينا دستور بريطانيا غير المكتوب، وأعرافها البرلمانية الشهيرة، ومثل هذه العناصر النيابية أن نقدم شيئاً، وشاهد ذلك الواقع الذي نعيشه، إذ ما الصلة بين الصلاحيات الدستورية وتسلم النواب - بلا استثناء - مبلغ العشرة آلاف دينار، والـ «بي. ام. دبليو» والمطالبة بالتقاعد والجواز الدبلوماسي طول العمر والمطالبة بالتأمين الصحي؟ بخلاف بدل الهاتف والمكتب والبشت؟! ماذا يفعل النواب بهذه الامتيازات والشعب جائع؟! ثم لو كانت الصلاحيات هي المعيق لعملهم فلماذا لا يقومون بتعديل الصلاحيات؟ أليسوا جهة تشريع؟ وما هو تفسيرهم لعدم طرحهم مسألة التعديلات الدستورية (إن كان الدستور عائقاً كما يقولون). يثبت عدم طرح التعديلات الدستورية ان العلة من «البطن» أي من الداخل (أي من النواب!) وعلى ذلك تسقط حجة الصلاحيات الدستورية!
ثانياً: الأعضاء أنفسهم. لعل الحديث عن تدني المستوى في أداء المجلس النيابي راجع إلى «أن النواب قليلو خبرة في العمل السياسي البرلماني» مردود عليه، فنواب المجلس الوطني في السبعينات لم يكونوا ذوي خبرة في العمل البرلماني، ولكن تطلعات الناس وأمانيهم كانت نصب أعينهم، وطالما كان النائب مرآة الشعب الذي يمثله وليس القبيلة أو الطائفة أو الفئة، فحينها تكون من أولوياته التعبير عن الناس، والمطالبة بحقوقهم والسعي لتصحيح أوضاعهم المادية والمعنوية، وسن التشريعات لزيادة رقعة الشفافية ومكافحة الفساد بصوره المختلفة. كل تلك الأمور لا تحتاج إلى «خبرة برلمانية» أو سياسيين بارعين من الدرجة الأولى، بقدر ما تحتاج إلى مؤمنين بقيم ومبادئ وحقوق الشعب البحريني الذي عانى الكثير ومازال يعاني من الوعي المجتمعي المتدني!
ثالثاً: الحكومة. لا تلام الحكومة في سلوكها مع النواب فإن النواب يضعون أنفسهم في خدمة السلطة التنفيذية، وليس «تسخير» السلطة التنفيذية في خدمة السلطة التشريعية! وخير شاهد على ذلك الزيارات «التسولية» التي يقوم بها بعض النواب للوزراء، وكذلك رسائل التوظيف التي يبعثها النواب «للتوسط» لفلان أو علان مقرونة بالرجاء الحار! كيف بمن يتسول ليطالب بالمعاملة كقرين أو ند للحكومة؟ وعلى ذلك فالحكومة لا تتعاون من منطلق انها الأقوى من النواب، ليس للتفوق الدستوري بل للتفوق النوعي في الأشخاص، وبالتالي تسقط شرعية حجة النواب في عدم تعاون الحكومة معهم، إذ هم أنفسهم يتسولونها فتعطيهم ما تريد وتمنعهم مما لا تريد! فالنواب هم من أضعفوا دورهم بشخصياتهم التسولية على أبواب الوزراء، وأراقوا الكرامة البرلمانية على أعتاب الوزارات، ويقال: «من جعل نفسه سبوس لعبت فيه الدجاج»!
فالحكومة، على العكس من النواب، بذلت جهوداً واضحة في تصحيح الكثير من الأوضاع، وبادرت إلى حلحلة الكثير من القضايا قبل أن يتطرق إليها النواب؛ بل وعجز عنها النواب منها، على سبيل المثال: لجنة التحقيق في الكهرباء، والتي عجز النواب عن عقد جلسة طارئة لدراسة أزمتها! وهذا هو الواقع في الكثير من القضايا الملحة... في حين أن المجلس النيابي لم يزد سوى في معدلات الإحباط العام وتمدد شريحة المكتئبين في المجتمع البحريني
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ