أيام قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي ربع الساعة الأخيرة، كما يقال، تشتد المنافسة ويبدأ كل فريق باستخدام أسلحته الثقيلة للرد أو لكيل الاتهامات للفريق الآخر.
المرشح جورج بوش لا يزال يستخدم سلاح التخويف لتمرير استراتيجيته الهجومية وتسويقها لدى الناخب الأميركي. فبوش يريد القول انه الشخص المناسب للقيام بتلك المهمة التي لخصها في ملاحقة شبكات الارهاب من بلد عربي إلى إسلامي ومن بلد إسلامي الى عربي.
المرشح الديمقراطي جون كيري انزل إلى المعركة الرئيس السابق بيل كلينتون، وبدأ باستخدامه في قصف مواقع المرشح الجمهوري. فالرئيس كلينتون يعتبر من المدافع الثقيلة نظرا لشعبيته الكاسحة لدى جمهور الطبقة الوسطى وجاذبيته الخاصة في كشف الاخطاء القاتلة التي ارتكبها بوش في سياسته الخارجية وفي اهماله لاقتصاد الخدمات لمصلحة الصناعات الحربية وشركات انتاج الطاقة. فهذه السياسة العشوائية اسهمت في زيادة الكراهية للولايات المتحدة، وأضعفت دور الطبقة الوسطى في الاقتصاد الأميركي، وأفرغت الخزانة من احتياطها المالي، وأوقعت الموازنة الفيدرالية في عجز غير مسبوق في تاريخ الدولة.
معارك ربع الساعة الأخيرة أثمرت بعض النقاط لمصلحة كيري، وقلصت الفارق بينه وبين بوش إلى نقطتين. تقلص الفارق بين المتنافسين طرح مجدداً وظيفة بقاء المرشح الثالث رالف نادر (اللبناني الاصل) في المعركة الرئاسية. فنادر لم تتجاوز شعبيته حتى الآن أكثر من 1,8 في المئة من الناخبين وهي نسبة تافهة ولكنها مهمة في تقرير ميزان القوى بين الخصمين الكبيرين. والسؤال: لماذا يصر نادر على خوض معركة خاسرة، ولمصلحة من يواصل تجربة حظه العاثر؟
كل الفئات المحايدة غادرت برنامج نادر معتبرة وجوده يعطل على كيري امكانات فوزه لأنه يسرق منه أصوات الكثير من العرب والمجموعات المسيّسة التي تميل عادة إلى الدفاع عن البيئة وحماية المستهلك. حتى حزب الخضر الأميركي سحب تأييده لنادر حين وجد ان ترشحه يلعب لمصلحة بوش، ويسهم بطريقة غير مباشرة في اسقاط كيري أو على الأقل منعه من كسب أصوات ثلاث ولايات (فلوريدا، بنسلفانيا، واوهايو)، يحتاج اليها المرشح الديمقراطي لضمان هزيمة منافسه الجمهوري.
نادر في اصراره على خوض سباق فاشل تحول في الاسابيع الأخيرة الى مرشح مزعج وسيئ النية، لأنه يعطل الى حد معقول امكانات فوز كيري في معركة حاسمة في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر. والسبب ليس لأن كيري هو المرشح الأفضل بل لأنه المرشح الاقل سوءاً. فبوش هو اسوأ مرشح نظراً لسياسته التي زرعت الكراهية ضد العرب والمسلمين، واثارت الفتن والحروب والقلاقل، وتذرعت بالارهاب لممارسة الضغط على الجاليات العربية والمسلمة وفرض نوع من الرقابة البوليسية على الأميركيين قلصت كثيرا من الحقوق المدنية والضمانات الاجتماعية والصحية للطبقات الوسطى. فبوش في هذا المعنى هو مرشح «الحروب الدائمة» و«الضربات الاستباقية» وتقويض أمن «الشرق الأوسط» واستقراره.
السؤال فعلا: لماذا يصر نادر على ترشيح نفسه، ولماذا لا يعلن انسحابه رسمياً لمصلحة كيري؟ انسحاب نادر مسألة ملحة فهو على الأقل لا يعطل بوصلة الاتجاهات، ويضمن ذهاب أصوات مؤيديه الى الهدف الصحيح. فأصوات نادر لا تفيده، ولكن كيري بحاجة اليها فهي على الأقل في حال انسحب المرشح الثالث لا تذهب هباء ولا يستفيد بوش من ضياعها.
أيام قليلة تفصلنا عن موعد انتخابات الرئاسة الأميركية وفي ربع الساعة الأخيرة أعلنت معظم الاطراف مواقفها بوضوح. فالجاليات العربية والمسلمة في أميركا قررت بغالبية تزيد على 70 في المئة منح أصواتها للمرشح الديمقراطي، وهناك استطلاعات تشير الى ارتفاع النسبة الى 80 في المئة رداً على الاساءات التي ألحقها المرشح الجمهوري ضد العرب والمسلمين.
لم يبق «في الميدان إلا حديدان» كما يقول المثل العامي اللبناني، فلماذا لا ينسحب نادر ويعلن تجيير اصواته لكيري حتى ينقذ العرب والمسلمين من كوارث تنتظرهم في السنوات المقبلة؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ