العدد 783 - الأربعاء 27 أكتوبر 2004م الموافق 13 رمضان 1425هـ

سمر يزبك1: الكتابة كائنات صغيرة تضيء حياتي

«طفلة السماء» المقبلة من سورية

المحرق - جعفر الديري 

تحديث: 12 مايو 2017

ضمن موسمه الثقافي الرابع استضاف مركز الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث مساء الاثنين 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري الكاتبة السورية سمر يزبك، في محاضرة عن تجربتها مع الكتابة تطرقت فيها الى مراحل تكونها الثقافي والابداعي والى رحلتها منذ أمسكت بالقلم الى صدور روايتها «طفلة السماء».

وبدأت يزبك حديثها بقولها «عندما بدأت الحلم بالكلمات وأنا طفلة كنت أراقب أصابعي وأتخيل أني جنية ساحرة تمسك بعصاها النجوم وكانت تروق لي فكرة النجوم التي تخلفها أصابعي على شكل كلمات فوق الورق الأبيض. آنذاك لم أعرف أن تلك العصا السحرية والنجوم هي الوجه الآخر للحياة والخلق. وعندما كبرت قليلا اكتشفت أن الكلمات والقصص الصغيرة قد حولتني الى زهرة صغيرة أصنع الحياة بقلمي وكانت غواية فعل الخلق قد لوثت حياتي. إن المتعة في الشعور بذلك الشعور وذلك الارتجاف المصاحب لعملية الكتابة تشبه متعة السعادة، المتعة التي لا تضاهيها متع الدنيا كلها، وأنا لا أعرف أنها كانت تنبعث من الفعل نفسه، لكن السعادة والمتعة التي تحتضن القلب كانت ولاتزال الدافع الدائم لي لكي أمارس فعل الكتابة نفسه، وحينها كان الشعور حياديا وكنت أستمتع بالاسثناء الذي وجدت نفسي من خلاله وهو الخلق. هذا من دون معرفتي في أي زمن أعيش وفي أي مكان والأهم من ذلك كله قبل ادراكي أنني خلقت أنثى في مجتمع ينتصر لقيم الذكورة بالضرورة. كل هذه الأمور حولت فعل الكتابة الى كينونة شخصية قائمة بذاتها وبدلت متعة الخلق وبدلت حياتي الى جحيم لا ينتهي. فلئن أكون كاتبة قي مجتمعات لا تحترم فعل الكتابة وتجد في النتاج الثقافي ترفا لا مبرر له فذلك أمر ليس يسيراً فذلك يعني أن يكون المبدع على الهوامش وإن أراد البقاء فعليه أن يصبح بوقا يردد السائد ولا يخرج عن نطاق المألوف والمتعارف عليه، والأهم من ذلك ألا يقارب بأطروحاته وكتاباته المأثورات التي من شأنها خلخلة النظام السياسي والاجتماعي أو أن يختار بقعة مظلمة يركن روحه اليها، بل الأفضل من ذك كله أن يضع قدمه جانبا، هذا في أفضل الأحوال إن كان رجلا فكيف الحال مع امراة كاتبة؟!».

ثم ذكرت يزبك جزءاً من ذكريات طفولتها وعلاقتها الأولى بالقراءة بقولها «لا أذكر في طفولتي أن أحدا من أفراد أسرتي جاءني بكتاب، ولا أذكر حتى أن القراءة كانت من العادات التي يجب أن تتبعها البنات، بل على العكس تماما كانت أمي تطلب مني ألا أكثر من القراءة وكانت تقول لي حين تراني منهمكة في القراءة لساعات إن البنات خلقن للزواج فقط وعندما كنت أقول لاخوتي إنني سأصبح كاتبة كانوا يتندرون علي ويعتبرونني بنتا مدللة وكانوا يخفون عني الكتب، وكان أبي يناقشني في أن هذه الكتب الكثيرة ستضر بي وأني بنت وعلي أن أتعلم في الجامعة لأكون مهيأة لاعداد أسرة وتربية أولاد وتعليمهم وكان يقول لي - على رغم أنه رجل مثقف - إن قدرة المرأة على الخلق تتمثل فقط في انتاج الأبناء وإن عقلها محدود ولا يملك الأفكار الكبيرة وكنت ألتزم الصمت حيال ما يقوله أبي وفي سري أضحك لأن الجميع لم يكن يعرفون أن في داخل قلبي الهة صغيرة، اذ لم تكن لي كعادة الكتاب جدة تروي لي الحكايات قبل النوم وكانت جدتي امرأة تحب الكلام وتدخن كثيرا وتضحك بصوت عال وتغني بالفرنسية أغاني حزينة لم أفهمها ابدا، لكن الجدة الحقيقية التي حلت محلها كانت كتاب ألف ليلة وليلة وهو الذي تنشقت من خلاله السعادة المقبلة».

ومتحدثة عن أثر كتاب «ألف ليلة وليلة» في عقلها وتوجهها للكتابة أضافت الكاتبة السورية «أن كتاب ألف ليلة وليلة حوّل حياتي الى فضاء أكثر رحابة وقد حلمت أن أكون سيدة الحكاية شهرزاد الجميلة. وتلك الحكايات المدورة التي ما ان تبدأ حتى تنتهي وما ان تنتهي حتى تبدأ جعلتي أحلم أن احل محل شهرزاد وأجلس على بساط الريح وأروي الحكايا وأخلق بشرا من غيوم وفضة وأنهاراً من رشفات الحروف، وكانت شهرزاد هي التي علمتني كيف يتحرر البشر من محدودية وجودهم ودلتني بذلك على طريق الخلاص. وكنت حتى ذلك الوقت أكتب القصص القصيرة وأخفيها. فكنت خجولة جدا وأخشى أن يرى أحد ما أكتبه، وكنت أواصل قراءة «تشيكوف» «موباسان» و«ادجار الان نو» و قد قرأت كافكا وتأثرت به ومازلت أداوم على قراءته وأتأثر به، وحتى الآن أجده أكثر من تركني في عالم من الغرابة، كما أنني أغرمت بحياة الشاعر الفرنسي «رامبو» وكنت أقرأه كثيرا، ولم ألتفت الى أن غالبية قراءاتي كانت من الأدب المترجم ولم أنتبه الى المكتبة التي استعنت بها رغما عني كانت تخص الأخ الأكبر لأمي والذي اهتم بالأدب الغربي أكثر من اهتمامه بالأدب العربي».

ومشيرة الى فترة الثمانينات التي شهدت اهتمامها الكبير بالأدب العربي أضافت «في تلك الفترة كانت كل كلمة أكتبها هي مشروع سحر يطير بي بعيدا عن مكاني المغلق عن المكان الواقع في أسر الحياة الرتيبة والعادات والتقاليد التي تحول كل شيء الى متشابكات بدأت من أصغر الدوائر الاجتماعية وانتهاء بأعلى هيئة سلطوية، لكن العالم كان يتغير آنذاك، اذ إنه في أواخر الثمانينات وعندما التحقت بكلية الآداب بقسم اللغة العربية كان العالم يسير في طريق واحد يقوده الجنون والدمار، وكانت الدول الاشتراكية في أوروبا عدا عن الشرقية على أهبة السقوط لذلك وفي تلك الحقبة أقبلت على الأدب العربي وغرقت فيه كرد فعل، اذ كنت أشعر أن كل شيء خارج الهوية العربية باطل، كان ذلك في أيام مضت كنت خلالها لاأزال أحلم بوطن عربي واحد وعلى رغم هزالة الأحلام تلك فإنها أرشدتني الى «أبي الطبيب المتنبي»، «طرفة بن العبد» «الجاحظ» «ابن المقفع» و«السهرودي»، اذ كنت أدرس الأدب العربي في الجامعة وكنت مهووسة بأشعار المتنبي. وكانت شخصية أخاذة بالنسبة إلي لأنني وجدت في فكرته عن نفسه فكرة تقارب فكرة الخلق بالنسبة إلي. وكل هؤلاء الذين مروا على ذاكرتي لم يغادروها وشكلوا ربما من دون دراية مني جزءا كبيرا من شخصيتي. ومنذ ذاك الزمن لم أعرف حدا للهوس اليومي بقراءة كتب الشعر والروايات، وبعد ذلك تحولت القراءة عندى الى الأكسجين الذي أتنفسه من الهواء ولم يعد بإمكاني مفارقة الكتب، اذ كان الكتاب بوصلتي والجهة الخامسة الوحيدة التي تدلني على معاني الحياة».

ثم أنهت الكاتبة السورية سمر يزبك محاضرتها بقولها «لقد أخذت بتدوين ما أحسه وبتدوين يوميات المدرسة وكل ما هو حولي، وكلما انتابتني الرغبة في الحديث والتواصل توجهت الى أقلامي وأوراقي البيضاء، اذ صارت جزءا مكملا لوجودي وباتت تشبه الرؤيا فارتبت بأنني بلا كتابة أشبه ببنت عمياء. وقد نشرت أول قصة لي في أوائل التسعينات وكانت بعنوان «صباحات ثلاث» وهي عن الأنثى التي بقيت في هاجسي، مع أني أستطيع التسليم بأن ما يجب علي كتابته ينبغي أن يتجاوز احساسي بالظلم الذي يقع علي وعلى بنات جنسي»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً