العدد 782 - الثلثاء 26 أكتوبر 2004م الموافق 12 رمضان 1425هـ

لماذا يهربون؟

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

كان للهروب معنى واحد ينطبق على أولئك الفارين من قصاص جراء جرم ارتكبوه أو ذنب اقترفوه أو حكم ظالم فروا من تنفيذه ليقفوا عند الحقيقة ويثأروا ممن ورطهم في جريمة لم تكن لهم يد فيها... واليوم أرى أن للهروب أشكالا وألوانا تختلف باختلاف أسبابها، وكل شكل من أشكالها نستطيع أن نلتمس له العذر فلا نعارض أبدا اللجوء للهرب، بل وربما نشكل نحن باقتناعنا بالفكرة شكلا من أشكال ذلك الهروب!

استوقف عند أولئك الفارين من بيوتهم بعد مشاجرة عنيفة بينهم وبين آبائهم لاختلاف في وجهة النظر على ملبس معين أو فكرة معينة، فلا أجد غرابة في صحبة سوء يرافقونها، ويتخذونها قدوة ومثلا... وكيف لا وهم من أطلقنا عليهم «مراهقين» لإرهاقهم عقولنا وأجسادنا في البحث عن طريق نستطيع به كبح جماح ثائرتهم المعهودة في هذه السن، وأعتقد أننا ظللنا الطريق عندما تجاهلنا لغة التخاطب والمنطقة الوسطى وحجرنا قلوبنا وعقولنا بما تعودنا عليه وارتأينا إلا فرضه على أولئك الذين للتو بدأوا يتفتحون على الدنيا فلفظونا وفروا منا ومن قلعتنا الحصينة!

وعندهم ألتمس هروبا آخر من الصرح التعليمي الذي التحقوا به فعلقنا عليهم الآمال بمواصلة درب النجاح وتحقيق ما عجزنا نحن عن تحقيقه... فروا من المدرسة وكرهوا الدراسة وأعدادهم في ازدياد يوماً بعد يوم... ونحن في سبات حتى عن محاولة البحث عن الأسباب... ولما لا ونحن نعرف أن العيب فينا وفي مناهجنا وفي مدرسينا وطرق تدريسنا... حتى باتت هذه المدرسة السجن الإجباري الذي لا شك في أن «مراهقين» مثلهم سيفرون منه عقلا وقلبا وجسدا!

أستوقف عند فتاة ما عرفت طعما للراحة أبدا وبقيت طوال حياتها تصارع الألم تارة بمشاركتها آلام غيرها، وتارة وحيدة لأن الألم هذه المرة خاص بها وحدها!... ظلت تبحث عن أمان مفقود وسط بيئة ما عرفت غير الأنا وتكبدت العناء وكان الصبر ديدنها والضحكة تكسبها قبل قلوب الآخرين همومهم وأحزانهم، فكانت المترع لكل ذلك في الوقت الذي لم يسأل أحد عن حالها هي... أسعيدة هي أم حزينة؟ مرتاحة أم هناك ما يعكر صفو حياتها؟... العمر يمضي والخوف من الوحدة شبح ما انفك يداهمها مع رحيل من من الممكن الاتكاء عليه ولو بالاسم فقط... وهنا لم تجد بدا من الفرار عندما أتيحت لها الفرصة وكأنها حينها فقدت عقلها وحكمت بنصائح الآخرين أو ممن اعتبرته النائب عن الوالد والسند بعد غيابهما... أليست هذه في حال فرار من المر على أمل الحصول على أمان تقضي في كنفه بقية حياتها فتحاول الابتسام لحياة أخرى تنسيها ما عانته من آلام؟ ولا ألومها فأي امرأة منا إن فقدت الأمان فقدت الوجود كله!

أستوقف عند أولئك الذين مازالت يدهم تلح عليهم بالكتابة فيحاولون بشتى الطرق وأد الرغبة فيها وإن عجزوا عن ذلك فلا يمكنهم إلا كتابة قصاصات من ورق تركن في أدراجهم السرية التي إن تطفلنا يوما وحاولنا فتحها سنشهد إبداعات لكاتب لا يمكن أن توصفه إلا بالماهر الحاذق الذي تضاهي كتاباته كتابات الكثيرين ممن اتخذوا القلم مصدرا للرزق والكسب سواء بالوقوف على الحقيقة أو بالدهان... ولا ألومه إن حاول الفرار من الكاتب الذي بداخله ووأد أحلامه وإبداعه فنحن مازلنا نعيش زمن الكتمان، الصراحة فيه مصدر للف الحبال على الرقاب وحرية التعبير جملة تتردد على الألسن وأغنية نتغنى بها كي نشعر أنفسنا أو هكذا قيل لنا أو فرض علينا بأننا في زمن الشفافية التي لا تسمح أبدا بزيف الكلام أو تلوين الواقع بالفاقع من الألوان متجاهلين اللون الأسود الذي نحن منغمسون فيه حتى النخاع! أو نتساءل بعد هذا: لماذا يهربون؟

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 782 - الثلثاء 26 أكتوبر 2004م الموافق 12 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً