هل يعقل أن الدول الفقيرة تحتاج إلى أكثر من أربعمئة عام لكي تصل الى ما وصلت اليه الدول الغنية اليوم؟ في حسبة الذين يعتاشون من أحلام اليقظة يحدث ذلك شريطة ان تبقى الدول الغنية عند النقطة التي هي فيها الآن، والا فان مسألة «الحق ما تلحق» لن تفيد فالمال سلطة وجاه وقوة ولا يشبع ابن آدم حتى التراب.
وما يحدث الآن هو تصادم بين أحلام اغنياء وحقوق فقراء، وما يحدث الان هو أن صناع القرار في هذا يريدون تعبيد الطرق وفتح البوابات والنوافذ لمصالحهم، تعاملاتهم الكونية التي يحلمون بها إن صح القول، فما كشف عنه عضو مجموعة النواب الوطنيين الديمقراطيين يوسف زينل أن «الوزراء يتسلمون سنوياً وتحديداً في شهر رمضان من كل عام 100 ألف دينار للوزير بحقيبة وزارية، أما الوزراء من دون حقيبة فإنهم يتسلمون 50 ألف دينار»، يفتح الباب على مصراعيه ليكشف عن مستوى الاهدار في المال العام الذي وصلنا إليه. فبعد أن رفضت الحكومة وبشدة مقترح «العيدية» الذي تقدم به أحد النواب لكل أسرة بحرينية بدواعي ان الموازنة العامة للدولة لا تسمح بهذه المصاريف، فإنها سمحت وتسمح وستسمح بالمزيد من الهبات وعطايا الوزراء من غير حساب، إذ إن الحكومة لا يمكنها ان توفق بين معونات الوزراء وعيدية الشعب في موازنة واحدة، بعد ان «هبط سعر برميل النفط إلى أدنى مستوياته العالمية وأصبحت موازنة الدولة عاجزة ولا تعلم من أين تأتي بالمال لسد العجز، فما بالكم لو ارتفع سعر البرميل إلى الضعف وأكثر».
وبحسبة بسيطة فإن عدد الأسر البحرينية أكثر من 68 ألفاً و600 أسرة، وفي حال إقرار، «عيدية» فإن ذلك سيكلف الدولة اقل سيفوق ما وزعته الحكومة على وزرائها من حيث العدد، ولكن من حيث الفائدة فإن الشعب تضرر كثيراً من هدر المال العام وحرمانه منه.
والسؤال الذي لم يجد جواباً بعد هل الحكومة تؤمن بأن العطاء يبقى فقط للأغنياء والقادرين، وهل الوزراء محتاجون لمعونات رمضانية تساعدهم على غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار لشراء المواد الاستهلاكية الرمضانية، وخصوصاً إن وزراءنا ليسوا كباقي الشعب الذي أعتاد على أكل «القيمات» والكباب والهريس لتصرف له معونات عادية، وإنما قيمة معوناتهم الرمضانية لابد أن تتناسب مع ما يستهلكونه من وجبات فارهة وليالٍ رمضانية ساهرة.
وانهم في سبيل تحقيق ذلك يرون ان المساحة التي يريدون غزوها بأحلامهم الجبارة مليئة بحفر وكهوف «التخلف» بشتى انواعه، تخلف اقتصادات الفقراء، تخلف أنظمتهم الوزارية، تخلف حتى بنياتهم التحتية، وفي المقابل، وحسبما يرون فان ذلك كله يحتاج الى اعادة ترتيب من أجل ان تعبر الأموال الجديدة البحار والمحيطات والانهار والشعوب التي تقف لتنظر فقط كيف يتم تقاذف هذه الأموال بعيداً عن متناول أيديهم، فهل يعقل أن يصبح «قيمات» وهريس الوزير بـ 100 ألف دينار فقط.
بعض الفقراء اقترح تأسيس صندوق خيري للوزراء وكبار المسئولين في الدولة لمساعدتهم مادياً على مصاريف الشهر الكريم، إذ إنه من المؤكد ان 100 ألف دينار لن تكفيهم، على غرار الصناديق الخيرية «الفقيرة».
يَعدُ المنشغلون بأمر التجارة العالمية اليوم، وهم كبار المتنفذين، الشعوب الفقيرة بمزيد من الخبز وبمزيد من الرفاهية لكنهم لا يعدونهم بمزيد من الأمن، ولا بمزيد من جهود ازالة التخلف، ولا بمزيد من محاربة الأوبئة والكوارث البيئية، ولا بمزيد من العدالة، ولا حتى بمزيد من الضمانات التي تكشف عن نوايا حسنة لعولمة شروط جديدة في الاقتصاد العالمي، لانه في النهاية هناك موازين وهناك اتفاقات ومعاهدات وضعها العالم لنفسه اكتشف اليوم أنها لا تحقق مصالحه الا في جانب واحد وبانحياز تام. الرقم الذي يحدد حجم جياع العالم مخيف جدا، والرقم الذي يحدد حجم المشردين في العراء مذهل، وحجم تسميم البيئة بمواد صناعية ملوثة والجرائم التي ارتكبت في حق شعوب آمنة تكشف مدى طمع المتنفذين، بالإضافة إلى الأرقام التي تؤكد ان عدد المسيطرين على المال العام في أي بلد مخيفة أيضاً
والمنطق المقنع لأي فقير يستمع ببلاهة لوزير يشرح تفاصيل مشروع جديد هو أن يشعر ان لقمة «الزاد» القريبة من فمه ليست مهددة بالخطف المفاجىء!.10
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 782 - الثلثاء 26 أكتوبر 2004م الموافق 12 رمضان 1425هـ