العدد 781 - الإثنين 25 أكتوبر 2004م الموافق 11 رمضان 1425هـ

الإصلاح كخيار احترازي في الكويت

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

رمضان والسياسية في الكويت صنوان، لا يأتي الأول إلا ويأتي الثاني تلقائيا معه. ويطلق رمضان الجاري دورة استثنائية في الحديث السياسي الساخن في الكويت لعدد من الأسباب، الأول أن رمضان هذا العام يشهد افتتاح الدورة الثالثة من دور الانعقاد للفصل التشريعي العاشر، الذي يبدأ اليوم، وهي دورة حاسمة يكون قد ودع قبلها أعضاء مجلس الأمة فترة الراحة والاستجمام والمراوحة في المكان، التي شكلت الدورتين السابقتين لتبدأ دورة قريبة من منتصف السباق الماراثوني الذي سيضع الجميع أعينهم على نتائجه طلبا للتجديد، إذ ما ان تمر الشهور إلا ويقربهم من يوم الحساب الشعبي.

والسبب الثاني أن رمضان بطبعه يشكل حركة نشيطة بين ديوانيات الكويت، ينتقل الناس فيها من ديوانية الى أخرى بكثافة للمباركة برمضان، وأيضا لسماع الأخبار وخصوصاً السياسية، ونقلها وتبادل التعليقات حولها عن الشأن العام، ويصاحب كل ذلك طبعاً انتشار الشائعة أو الأخبار غير المؤكدة وربما تضخيمها، فيصبح هذا الانتقال البشري الكثيف، وسيلة إعلام دائبة التحرك والانتقال وفي غالبيتها حاملة للشكوى، وثالثها طبعاً ما أطلقه رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد، في لقائه مع قيادات العمل التنفيذي في الدولة، من قضايا شائكة، ولكنها مهمة لعمل الدولة، أما العامل الرابع فهو ما يجري حولنا في هذا العالم، الذي أصبح يضيق على نفسه يوميا بسبب وسائل الاتصال الحديثة، ويؤثر ويتأثر بكل حادث صغر أو كبر.

في الكويت يتحرك المشهد السياسي جيئة وذهابا بين المحلي والإقليمي والدولي، وكلا المسارح الثلاثة مرتبطة يبعضها ومؤثرة في نتائج حركتها الدائبة.

في الشأن الداخلي أصبح موضوع الإصلاح، ان لم يكن استراتيجيا، فهو بالتأكيد من الأمور الاحترازية التي لا تصح الحركة السياسية من دون التأكيد عليه ولو لفظا، لان الوضع الذي وصل إليه العمل الحكومي التنفيذي، بشهادة الفاعلين فيه والمشرفين عليه، وضع يثقل كاهل المواطن،وأصبح ذلك المواطن إن لم يكن ذا قدرة على التأثير بأحد نواب المجلس ممن يتابعون قضيته الفردية لإيصال حق له حقيقي أو متخيل، لا حامي له من التعسف، سواء كان هذا التعسف ايجابياً أم سلبياً، والثاني أكثر فضفاضة وأعمق تأثيرا، إذ يحرم المواطن من خدمة هي حق له، من خدمة تعليمية أفضل لأبنائه، أو خدمة طبية عاجلة تتعلق بحياته أو حياة من يحبهم من أهله، أو حتى الاستعجال في تنفيذ مشروع يروم تحقيقه الى البحث عن حلول جذرية من المرور الى الإسكان.

النواب في المجلس المنتخب من جهة أخرى، يشكون من ضغوط المواطنين وتحيز المنفذين، فالنائب حتى يمرر خدمة لمن يطلبها من ناخبيه، يتحول أما الى مخلص أوراق في الوزارات والهيئات الحكومية، أو يلجأ الى التهديد والوعيد بالاستجواب والأسئلة البرلمانية الكثيرة والكثيفة، تجاه الوزير الذي يؤخر أو يماطل في تنفيذ طلب لأحد من ناخبيه، لان الأخير أيضا (الناخب) لا يرحم النائب، فهو أمامه في الديوانية وفي المسجد وربما في المكتب، وسهلت وسائل الاتصال الحديثة تلك الملاحقة، فان لم يُجب النائب على الناخب، من خلال الهاتف النقال، جاءت للأخير رسالة تلفونية قصيرة واضحة، مظهرها الطلب ومخبرها التهديد.

تردت الأمور في العمل العام في الكويت، بين ثلاثية المواطن والجهاز التنفيذي والنائب البرلماني الى أن أصبح التداخل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ذو هامش ضيق أو معدوم، والكل يرمي الكرة في مرمى الآخر، الى درجة ما أن تبدو فرصة وظيفة ذات شأن في مركز حكومي حتى يتقدم كثير من النواب لترشيح من يخصهم لها، حتى اشتكى وزير أخيراً أن لديه وظيفة قيادية واحدة، أوصى لها بأكثر من 50 مرشحاً!

حقيقة الأمر أن الشأن الداخلي الكويتي لا يرضي الصديق ولا يسر العاقل، والكثير ما يكتب في الصحف المحلية من نقد، وما يعترف به المسئولون علنا ، يذكر تلك القضايا بوضوح، إلا أن ذكر المشكلات بحد ذاته لا يعني التشخيص السليم الذي يقود، إن صفت النيات، الى تقديم حلول ناجعة للمشكلات المزمنة في مجال تسيير العمل الرسمي في الدولة.

التشخيص الأساسي الذي يجب أن يأخذ أولوية مطلقة على غيره هو أن الإصلاح المبتغى لا بد أن يبدأ بإصلاح جدي لقانون الانتخاب من حيث العدد ، ومن حيث نطاق وحجم المناطق الانتخابية، ذلك من اجل التخلص من بعض الضغوط الحالية، فبعد تجربة تزيد عن أربعة عقود، تبين أن قانون الانتخاب الكويتي الحالي قانون أعرج، عدد الناخبين صغير، والدوائر الانتخابية ضيقة الى درجة أن التأثير والتأثر الشخصي للنائب هو الأكثر والأعم، ما ينتج كل تلك العلل في المتابعة والتشريع، وان أردنا الإصلاح الوقائي، فان معظم أعمال دور الانعقاد القادم للمجلس النيابي، ينبغي أن ينحصر في قضيتين هما تمكن المرأة (من اجل توسيع عدد الناخبين) والثاني تغيير الدوائر الانتخابية، أي تقديم قانون انتخابي جديد يستجيب للتطور الحادث على الصعيد الديمغرافي، وعلى صعيد الوعي السياسي، دون هذه الخطوة الإستراتيجية، لن يكون للإصلاح المبتغى مكانا وساحة للتنفيذ.

ويتفرع من ذلك إصلاح الجهاز الإداري للدولة الذي لم تعد فيه، إلا فيما ندر، مكانا للكفاءة، بقدر ما يشتمل في الانتقاء على عوامل أخرى منها الصداقة الشخصية والولاء المفترض والقرابة القبلية أو العائلية، أو الشللية، وآخر المقاييس طبعاً هي الواسطة.

تنتفي الكفاءة، فتدخل كل العلل والأمراض الى الجهاز، ومنها انتشار غير مسبوق للطرق غير القانونية والنظامية لتنفيذ المهمات، والبعض يسمي تلك الظاهرة اسما أصبح متداولا هي (الفساد).

إصلاح الحال في الكويت ان كان له ثان، فهو إصلاح التعليم، بمعني الإيمان الحقيقي بأن الاستثمار في الثروة البشرية هو الاستثمار الحقيقي والمجدي، والذي لا يتفوق عليه أي استثمار آخر، والوضع التعليمي في الكويت يكاد يُقعد من العجز، لعدد من الأسباب المتداخلة، والتي لا تخفى على المتابعين، يكفي الإشارة إلى أن 40 في المئة من الطلاب الكويتيين في المرحلة قبل الجامعية يرسلهم آباؤهم الى المدارس الخاصة، طبعاً طمعا في تعليم أفضل، من اجل إعطائهم فرصا أفضل للتنافس في المستقبل، هذا احد الأدلة على ضعف في تعليمنا من حيث الكيف والأداء والتمويل والمواءمة مع متطلبات العصر، اكتشفه الإباء بتبصر بعد تجربة، فقرروا أن يستثمروا في تعليم أبنائهم للمستقبل على رغم الكلفة المادية المرتفعة، على أن يرسلوهم الى تعليم عام مجاني، ولكن مفرغ من محتواه ومتدني الكفاءة، وهذا المثل ينطبق على التعليم الجامعي، ولا ينبئك به مثل من يمارسه، فإن العلة ليس في طاقم التعليم، وان كان يتحمل جزءاً من السبب، ولكن أيضا في حزمة السياسات التي ربطت لسنوات عدة الراتب بالشهادة، مع غياب صاعق للمحاسبة على الأداء. وفقر في تمويل العملية التعليمية، وإصلاح سوق العمل.

الإصلاح في الكويت عمليه احترازية أن لم تكن عملية استراتيجيه، لأن تفاقم الوضع في حال من اليسر المالي المشاهد، يسحب المجتمع الى منطقة اللامبالاة التي تقود بالضرورة الى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها.

على الصعيد الخارجي لعل اكتشاف جوازات سفر كويتية في مسرح جريمة طابا المصرية يقرع جرس ما، أن وضعناه بجانب التقارير التي بدأت تظهر بوجود كويتيين في الفلوجة العراقية، مع بعض ما يكتب وينشر في داخل الدولة من تحريض مباشر أو غير مباشر على العنف، ذلك مؤشر لا يجب الاستهانة به أو تجاهله، فقد قيل إن النار قد تندلع من مستصغر الشرر.

ليس هناك طريقا سهلا للإصلاح الوقائي في الكويت، بل هناك عدد من الطرق أولها الحزم في اختيار الطريق نفسه والعزم على سيره الى أخره، تلك تجارب عدد من البلدان التي نجحت في تنفيذ تنمية حقيقية وشاملة، بعضها زاره رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الأحمد في جولته الأسيوية في الصيف الماضي.

الإصلاح باعتباره خيار احترازي لتوقي المشكلات القادمة يجمع عليه الجميع، وهو أن كان ممكنا اليوم قد يكون صعبا غدا، ويحتاج الى فعل أكثر من الاكتفاء بالحديث

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 781 - الإثنين 25 أكتوبر 2004م الموافق 11 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً