العدد 781 - الإثنين 25 أكتوبر 2004م الموافق 11 رمضان 1425هـ

غربة نيتشه

كانت الرصاصة الأولى غير مقنعة بالنسبة إلى المفكر الكبير، وكان لابد من رصاصة ثانية، حتى اذا استشعر الخيط الواهن بين الموت والحياة أطلق الرصاصة الثالثة وحسبه انه سينجو مما ألم به من عذاب ووهن وشكوك الى عالم آخر أكثر رحمة. ولكن نيتشه أراد شيئا والله أراد شيئا آخر. اذ لم يمت نيتشه، لم يمت «السوبرمان» لم يمت الرجل الذي قامت على أساس نظريته دول وحروب والذي حولت جيوش نظريته في القوة الى ناموس تهتدي به جحافلها على رغم الرصاصات الثلاث اللاتي فجر بهن رأسه المتصدع ولكن انتقل الى عالم آخر عالم يعيش فيه وحيدا حتى يوافيه الأجل المحتوم، عالم خلق ليعيش فيه المجانين وأصحاب العاهات العقلية، وما بين ميلاده وموته في احدى المصحات العقلية خمسون عاما قضاها منقبا وقانصا للأفكار. اذ كان نيتشه منذ نعومة أظفاره صبيا مختلفا وذا أفق أوسع من أن يحتويه العالم الصغير الذي عاش فيه. انه ألماني يهودي كان قادرا على أن يبهر أساتذته لينطلق من عام دراسي الى آخر فيدخل جامعة «بازل» في وقت قياسي.

ولكن يالغرابة (نيتشه) هذا الملحد اللاذع اللسان والذي كان شديد الحماسة للدين في فتوته، كيف تغير وتبدل وطوع الدين في مصطلحات كون منها فلسفته المعادية للدين وحين تحول الى عنصري يبشر بالقوة واستعباد الناس ويضطهد العروق البشرية حتى اذا اطلع كتابه «هكذا تكلم زرادشت» الذي لم يكن فلسفة فحسب وانما هو مد وقف عنده النثر الألماني فلم يتعداه، ملأه بتلك العبارات التي حول فيها زرادشت الى نبي يبشر بتعاليمه وهو في سن المسيح. ويا لغرابة نيتشه وهو يلقب بنبي الصحة والقوة بينما كانت النوبات العصبية تفتك به. ويالغرابة نبي الصحة والقوة هذا وهو يطلق ثلاث رصاصات على رأسه فيعجر عن أن يقتل نفسه.

أخفي لدى الروح

مما قر

في نظري وجه

أراه يرائيني

فيقتلني

طفلا يداعب أوتاري

كأن

على عينيه

مما أناديه دم

ولغت

فيه الطفولة

حتى حل في بصري

أرنو فما من يد بيضاء

أو لغة حدثتها

فتوارت كلما خطرت

مني السنون

تداعى الوقت يقتلني





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً