عندما يصبح الزعيم إنسانياً تصبح الأمة إنسانية. ومعنى أن يكون الإنسان إنسانياً في الفكر والتوجه أن يكون بعيداً عن النزعات الضيقة، سواء أكانت مذهبية أو مناطقية. أن يقفز على الحواجز وعن تلك الحساسيات الحزبية أو القومية أو الشوفينية. بمعنى أن يبحث عن مواقع الشراكة بينه وبين الآخرين فيركز عليها، فالحياة قائمة على المصالح المتقاطعة وليس لأحدٍ أن يعيش بمعزلٍ عن الآخرين فيلغي وجودهم. هكذا كنت أقرأ السيدحسن نصرالله في فكره وإنسانيته... عندما راح يفاوض «الإسرائيليين» لعودة الأسرى لم يتكلم عن اللبنانيين فقط أو تحديداً أبناء قومه ومن يرتبطون به مذهبياً، إنما راح يتحدث من منطلق الأممية ومن منطلق الإنسانية... طالب بالأسرى... كل الأسرى... الأسرى الأردنيين وكذلك الفلسطينيين واللبنانيين و... ولم يستثنِ ليبرالياً هنا أو ماركسياً هناك... لم يركز على الأسرى الإسلاميين فقط بل كان إصراره يصل حتى إلى من يختلف معهم في الايديولوجيا لكنه يلتقي معهم في وحدة الهدف وكذلك في الإنسانية. هذا الخطاب الإنساني هو ما يجب أن نركز عليه في ثقافتنا وأدبياتنا في حديثنا لأبنائنا. كي نبني وطناً يجب أن نبحث عن البعد الإنساني وألا يكون ذلك شعاراً براغماتياً ميكافيللياً للاستهلاك المحلي بل يحقق عبر مؤسسات على الأرض تهدف قبل شيء إلى التواصل الوطني.
ذهبت إلى معرض الكتاب وكنت أبحث عن كتاب يوصلني إلى فهم وقراءة الواقع السياسي في لبنان وخصوصاً طريقة طرح نصرالله... كنت أبحث عن خطابه الإنساني وماذا كان يقول بعد النصر وماذا قال فيه الإسرائيليون، فوقع في يدي الجزء الثاني من كتاب «هكذا تكلم نصرالله». حقيقة وعلى رغم هذا الإنجاز، هناك من الصحف من حاولت التقليل من شأن النصر. يقول السيد في الكتاب «نحن أمة لا يسقطها الحزن عندما تحزن... ونحن أمة لا يسقطها الفرح عندما تفرح»، ثم بعد ذلك تكلم السيد عن محورية الإنسان في العمل الميداني فأخذ يقول: «إن هذا الإنجاز الذي نعتز به جميعاً ينتسب إلى حضارتنا وإلى ديننا وإلى ثقافتنا، نحن الأمة التي تؤمن بحرية الإنسان وحقوقه، هذا الإنسان له عندنا حرمة وهو حي، وله عندنا حرمة وهو ميت، فكيف إذا كان هذا الإنسان هو الأفضل». أما بالنسبة إلى النزعة الوطنية التي يعيشها السيد فكان يقول في ص12 «من يعتدي على بلدنا فسنواجهه وسيدفع الثمن». في الكتاب محاور مهمة من قبيل ماذا قالت الصحف الإسرائيلية عن السيدحسن وعن النصر الأخير، إضافة إلى ذلك نبذة عن السجون والمعتقلات مع مقابلات في غاية الأهمية مع السيد. إحدى الصحف الإسرائيلية تقول «نصرالله مرّغ أنوفنا بالتراب». دعونا نقرأ هذا الكتاب وسنكتشف الكثير من الأبعاد والآفاق التي تقربنا لقراءة النصر على «إسرائيل» بمنطق الحوار وقوة الخطاب.
البعد الآخر الذي أحب التطرق إليه والذي لم أكمله يوم أمس في مقالي عن الانتخابات العراقية... هناك جدل دائر بالنسبة إلى الانتخابات. قناعتي أن الدخول في الانتخابات هو أفضل ألف مرة من مقاطعتها، وتحالف الطوائف في ذلك أفضل من التراشق بينهم، طبعاً هناك محاولات رخيصة من الصحف العربية لضرب موقف المرجعية المتمثلة في السيد السيستاني الداعم للانتخابات، إذ تحاول أن تحشر السيد السيستاني في إطار الأسود والأبيض وهذا ما لم يصرح به السيد، فالسيد لم يقل ان الذين لن يدخلوا البرلمان هم في النار. وللأسف إحدى الصحف العربية يوم أمس حاولت أن تحشر السيد في زاوية ضيّقة طائفية، مع العلم أن السيد السيستاني دعا العراقيين بذلك إلى الخروج من مأزق الدم ولإخراج المحتل، لهذا ما قاله الكاتب الشهير فهمي هويدي في مقاله مردود عليه ومجانب للصحة. السيد السيستاني دعا إلى الانتخابات، لكنه لم يكفر أحداً... مقام الإمام علي (ع) مقام مقدس وذلك لم يمنع أحداً من الدفاع عن العراق، وأما إذا ظهرت زلة من خطيب صغير هنا أو هناك في انفعالٍ كبير عن الانتخابات في العراق فهذا لا يمثل المرجعية، ويجب ألا يُسقط عليها. وأنا بالأمس قمت بانتقاد هذا الخطيب وهذا التراشق بين الخطباء المختلفين عبر مقالٍ واضح في هذا الشأن. طبعاً مقال فهمي هويدي سأقوم بالرد عليه لاحقاً.
أعتقد أن العراقيين بحاجة إلى الالتفاف حول السيد السيستاني في هذه الفترة الحرجة، فكما أنقذ النجف برجوعه وقضائه على الفتنة عند حصار النجف، فبإمكانه أن يقضي على الفتنة أثناء الانتخابات. الوحدة الوطنية مهمة في العراق، فيجب على الخطباء أن يرحموا العراقيين في ذلك والديمقراطية. عوداً على بدء، أقول: ارجعوا إلى كتاب «هكذا تعلم نصرالله» فهو يباع الآن في دار الأمير في معرض الكتاب، ستفهمون نصرالله وسترون أيضاً هذه الإنجازات التي حاولت بعض الصحف العربية التقليل من شأنها تماماً كما حدث لنصرالله بالأمس، هاهم اليوم يعيدون الكرّة ضد السيستاني، ولكن أعتقد أن نصر العراق للعراقيين بطوائفهم لاشك قادم
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 780 - الأحد 24 أكتوبر 2004م الموافق 10 رمضان 1425هـ