قام زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق مسعود البرزاني بزيارة لدمشق، وقالت مصادر رسمية سورية، ان البرزاني قابل عدداً من كبار المسئولين السوريين خلال الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام.
وتأتي زيارة البرزاني لدمشق في اطار محاولات كردية، تكررت من أجل اعادة هيكلة العلاقات الكردية مع دمشق وتطبيعها بعد توتر في علاقات الطرفين سبقت الحرب الأميركية البريطانية على العراق وتصاعدت في خلالها وبعدها نتيجة الافتراق السوري الكردي في الموقف من الحرب وما اعقبها من تطورات سياسية في العراق وشماله بصورة خاصة، انعكست في احد جوانبها على الداخل السوري، عندما اطلق عدد من القادة الاكراد بينهم مسعود البرزاني، وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني تصريحات اعتبرها مسئولون سوريون تدخلاً في الشأن السوري ابان حوادث القامشلي في مارس/ آذار 2004 عندما حدثت صدامات بين قوات الأمن واكراد سوريين.
وقبل التوترات، كانت دمشق احتضنت الجماعات الكردية العراقية طوال عقود من اختلافها وصراعها مع نظام الرئيس السابق صدام حسين في اطار حركة المعارضة العراقية، وعندما تصالحت معه، لم تتغير قاعدة علاقاتها تلك فكانت سورية مقراً رئيسياً للأحزاب الكردية ومعبر اتصال قواعدها في شمال العراق بالعالم، لكن تصاعد علاقات حزبي مسعود البرزاني وجلال الطالباني مع الولايات المتحدة والتزام جانبها في الحرب على العراق، شكلا بداية لتردي علاقات دمشق معهما، ثم أخذ هذا التردي يزداد مع تكريس الحزبين سياسات تندرج في اطار توجهات اعتبرتها سورية سيراً نحو كيان كردي مستقل في شمال العراق، وهو ما تعارضه دمشق لا بسبب ايديولوجيتها القومية، التي تعارض تقسيم العراق، وهو أمر مؤكد اذا انفصل الشمال عنه، بل تخوفاً من ان يشكل ظهور كيان كردي مستقل في شمال العراق سابقة تدفع أكراد سورية نحو حركة انفصالية سواء توجهوا إلى الاندماج مع أكراد شمال العراق، او شكلوا كياناً مستقلاً عنهم.
وواقع الاختلاف السوري مع الحزبين الكرديين في شمال العراق، جعل من كل خطوات وسياسات الحزبين في العراق كما في الشمال موضع شكوك سورية على نحو ما بدت سياسات الحزبين في موضوع الفيدرالية وإصرارهما على تضمينها في قانون الدولة العراقية، وفي مساعي تعزيز وجود الأكراد في مدن الشمال العراقي المختلطة ذات الاهمية مثل الموصل، كركوك وتلعفر، وفي الضغوطات على الجماعات العراقية الاخرى الموجودة في الشمال ومنها العرب والتركمان والكلدو آشوريين بدفعها الى الهامشية العددية والسياسية وغالبية هؤلاء يرتبطون بعلاقات قوية مع دمشق.
وترافقت تلك السياسات مع توالي معلومات عن اتساع الوجود الاسرائيلي في المناطق التي يسيطر عليها الحزبان في شمال العراق، ولم يخفف نفي المسئولين الأكراد من قلق ومخاوف السوريين في هذا الجانب، وقد شاركهم كل من الايرانيين والاتراك القلق من الوجود الاسرائيلي في الشمال العراقي.
لقد بذلت محاولات عدة لترطيب علاقات الحزبين الكرديين مع دمشق في اطار زيارات، تكررت قام بها كل من البرزاني والطالباني في العام الماضي، كما في زيارة قام بها نيجيرفان البرزاني رئيس الحكومة الإقليمية في أربيل التابعة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي استقبله الرئيس الأسد في أغسطس/ آب الماضي، لكن هذه المحاولات لم تثمر نجاحاً، فظلت الاختلافات قائمة.
وعلى رغم وجود الاختلافات، وهي اختلافات جوهرية من غير الممكن تجاوزها بسهولة، فان دمشق والاكراد يحاولان عدم توسيع شقة الافتراق، فتحفظ دمشق للأحزاب الكردية وجوداً علناً في سورية عبر مكاتب هي من ثمار علاقاتها القديمة، وتستقبل بين وقت وآخر مسئولين من الأحزاب الكردية الذين يطلقون تصريحات يقبلها السوريون، فيما يطلق غيرهم مواقف تتعارض وسياسات دمشق ومواقفها العراقية خاصة، وهذا يجعل علاقات دمشق مع الاحزاب الكردية في العراق مستمرة في الظاهر فيما هي متعارضة ومتوترة في الباطن، بانتظار تحول حاسم فيها
العدد 780 - الأحد 24 أكتوبر 2004م الموافق 10 رمضان 1425هـ