وجود التمييز بمختلف أشكاله (طائفي، قبلي، عرقي... إلخ) يعني بأبسط الكلمات وجود الظلم وعدم الانصاف وغياب العدالة، واختلال لمعيار المواطنية الدستورية (أي ما ينص الدستور عليه من المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات)، وبالتالي ممارسة الظلم بحق مواطنين هم أكفأ وأقدر على تولي الوظائف المختلفة. والدول المتقدمة تصوغ القوانين لحماية مواطنيها من ممارسات التهميش والتمييز ضدهم، ولكن عجز البرلمان البحريني عن تمرير هكذا قانون! فما هو السبب؟
صار من الأكيد، في مجتمعنا البحريني، أن البعض لا تعجبه الكتابة في هكذا موضوعات، فإنها مشكلات «عويصة» -كما قالوا للباكر - وتفتح على الكاتب فيها ألف باب وباب (قد يكون أحدها باب جهنم الطائفي، لا يهم من أية طائفة) ولكن ألسنا باحثين عن الحقيقة؟ أليس هذا الواقع الذي نراه؟ هذه هي الحال البحرينية. ولكن يجب إزالة التمييز بشتى صوره وفي مختلف المؤسسات والقطاعات، وإزالة التمييز الملاصق للوعي العام في المجتمع... كيف يتم ذلك؟ لا توجد أنجع من الحلول القائمة على إعادة الثقة واجتثاث معاول الهدم لأسس المجتمع المدني، وتثبيت دعائم وطنية جديدة على أنقاض التهميش والتمييز بمختلف أشكاله وأنواعه.
وإذا كان التمييز الطائفي (وهو الأكثر شيوعاً وطافياً على السطح، بحكم أنه يمارس ضد مجموعة كبيرة من الناس) يبرر بتداعيات الثورة الإسلامية في إيران وبياناتها المتكررة بشأن تصدير الثورة، فكان هذا الهاجس الأساس في ممارسة عملية تمييز صارخة ضد طائفة بأكملها وسلخها عن بكرة أبيها (تعمدياً) من جلدتها الوطنية، ولكن ما هو تبرير التمييز في ظل الأجواء الحالية؟ وإيران لا تستطيع التصرف أو إنتاج الطاقة النووية على أرضها... فضلاً عن تصدير الثورة بأركانها المعروفة؟!
يعلم الله وحده، كم هي مرارة المواطن حينما يكون محروماً من العمل في الدفاع عن الوطن أو المشاركة في الحفاظ على أمنه والسهر على راحة المواطنين... فأي تكريس لانتماء الفرد لوطنه إذا كان الوطن يستبعده من أبسط الواجبات المنوطة بالمواطنين؟ وأية مساهمة في نماء الوطن وتعمير الأوطان إذا كانت الموانع على أرض الواقع تمنعني من السهر للحفاظ على أمنه واستقراره؟
إن واقع نظام الامتيازات يراه جميع المواطنين، والقلة فقط لا تريد تغييره... أما البقية، فمنهم من يريد تغييره من جذوره وبالعنف وإحلال بديله الخاص، فيمارس التمييز بصورة معاكسة، ومنهم من يريد تغييره بحذر وتأن وشروط (منها إبداء حسن النوايا ونبذ الدعوات المضادة)، ومنهم من يريد أن يغمض عينيه ويفتحهما ويجد إن الوضع تغير وان المواطنية الدستورية هي السائدة.
إن موضوع التمييز يحتاج إلى أكثر من ثورة على أكثر من صعيد: ثورة اجتماعية لتغيير هذا النمط من موروثات العادات والتقاليد، ثورة دينية تساعد في القضاء على بعض الشوائب العقائدية/المذهبية التي تم إلصاقها بالدين، ثورة ثقافية تعيد إنتاج الثقافة الوطنية، ثورة سياسية من جانب السلطة كما من جانب بعض القوى المجتمعية على الطرفين... علينا باعتبارنا مجتمع مدني أن نرى أنفسنا قبل أن نرى الآخر (السلطة السياسية) ولا نكون كالذي «يرى القشة في عين الخصم ولا يرى الجذع في عينه»! وتبقى أشكال التمييز هي أشكال المواطنة الحاضرة في الدولة القانونية التي نريد
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 780 - الأحد 24 أكتوبر 2004م الموافق 10 رمضان 1425هـ