ترجح استطلاعات الرأي اجريت حديثا في الولايات المتحدة احتمال فوز المرشح الجمهوري بالرئاسة الاميركية بفارق 4 إلى 5 نقاط عن منافسه الديمقراطي.
حتى الآن لم تقفل الابواب ولاتزال الاحتمالات مفتوحة على تحولات غير متوقعة الا ان المرجح هو فوز جورج بوش على رغم الكوارث التي جلبها للولايات المتحدة والمشكلات التي أثارها ومنها خلافاته مع دول العالم. فالعالم تقريبا ضد بوش وكل الاستطلاعات التي اجريت حديثاً اشارت إلى ما يشبه الاجماع على رفض سياساته الخارجية حتى في دول متعاطفة معه كبريطانيا وايطاليا.
باستثناء «اسرائيل» وروسيا وبولندا تمنت معظم الاستطلاعات فوز منافسه جون كيري ومع ذلك تتجه المؤشرات إلى احتمال تسجيل بوش ما يسمى بذاك الانتصار الكاسح على خصمه وتحديداً في ولايات الوسط الغربي (مد وست) في اميركا.
والسؤال لماذا يفضل الاميركي الرئيس الذي اختلق القوانين للحد من الحريات العامة ومراقبة الافراد والمؤسسات؟ ولماذا يميل الاميركي في وسط غرب الولايات المتحدة إلى حياة العزلة وكراهية الغرباء وتأييد نزعة العسكرة وتقليص هامش الحرية؟
هناك الكثير من الاجابات التي استخدمت دراسة المسح الاجتماعي للولايات والاصول التي تتألف منها غالبية الاصوات. فالدراسات تبين ان الولايات الشرقية والغربية (الاطلسي والهادي) تكثر فيها الاقليات الزاحفة من اوروبا وآسيا وافريقيا وهي اقليات جديدة وغنية ومرفهة اجتماعيا استفادت بسرعة من الامتيازات والفرص التي توفرها اميركا فأسست لنفسها مواقع خاصة ومميزة في مسام المجتمع. كذلك فان هذه الولايات المتحدة منفتحة تقليدياً ومفتوحة على البحر (المحيط) وتعتمد التجارة والاتصالات والتواصل مع الآخر. وبسبب موقعها الجغرافي نهضت في وسط كتلتها الاجتماعية مدارس تعتمد على التعارف وتؤمن بالتنوع والتعدد. وكل هذه المظاهر جعلت غالبية السكان تميل إلى التصويت لمرشح الحزب الديمقراطي.
ولايات الشمال تختلف عن الولايات الشرقية والغربية. فهذه المنطقة تعتبر من المراكز التقليدية للصناعات الاميركية القديمة وبسبب انهيار تلك المؤسسات نتيجة التطور التقني وانتقال بعض الصناعات الى الوسط تفاقمت المشكلات الاجتماعية وانهارت طبقات وتحولت إلى فئات مهمشة او عاطلة عن العمل وتميل معظم تلك الشرائح إلى تأييد الحزب الذي يركز على تطوير برنامج المساعدات الاجتماعية والصحية وبالتالي فان أصواتها متأرجحة ومنقسمة. اما ولايات الجنوب فهي مضطربة في انتماءاتها الحزبية فهي منقسمة بحسب الالوان والطوائف وكل فئة تختار الحزب الذي يسهل لها اعمالها وتحديداً مع اميركا اللاتينية اذ تسيطر غالبية من «الهاسبانكس» على تلك المنطقة الدافئة المطلة على خليج المكسيك.
اذاً ولاءات الولايات المطلة على الشواطئ متأرجحة مع ميل تقليدي الى تأييد الديمقراطي. بينما تميل ولايات الوسط الى دعم المرشح الجمهوري لحسابات او حساسيات «قومية» اميركية تنطلق من فكرة ان اصل اميركا هو اوروبا وليس آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية. وخلال العقود الخمسة الاخيرة شهدت تلك الولايات الوسطى (مد وست) حركات نزوح للبيض (الانغلو ساكسون بروتستانت) من ولايات الشمال والشرق والغرب لتتجمع في الوسط ولتعتمد في رزقها على الزراعة من جهة والصناعات التكنولوجية التي تأسست مراكزها حديثاً في تلك المناطق.
يطلق على هذه التجمعات الاميركية اسماء مختلفة منها «ردنك» او اصحاب الرقاب الحمر. ولون بشرة الرقبة يشير إلى اوروبية الاصل او تلك الفئة التي احترفت قيادة شاحنات النقل الداخلي بين الولايات الوسطى.
هناك إذاً اميركا جديدة اخذت تتجمع في الوسط الغربي في العقود الخمسة الاخيرة. وتسيطر على هذه التجمعات حياة العزلة وكراهية الاجنبي والرغبة في الانتقام واسترداد الولايات المتحدة من «الاجانب» الذين اجتاحوا عبر المحيطات شواطئ اميركا وسيطروا على حياتها ومالها. وبسبب نزعة الخوف والعداء والانكماش على الذات نجح «المحافظون الجدد» بالتعاون مع «التحالف المسيحي» في استغلال تلك «القوقعة» وربطها بافكار دينية متطرفة شكلت القاعدة الانتخابية للرئيس بوش.
مثل هذه الفئات لا تفكر في العالم وتعتبر الولايات المتحدة عالمها بل هي العالم الذي يجب ان يسود ويمتد حتى تسترد ما فقدته الفئات الاصلية من امتيازات ومميزات. ومثل هذا التفكير المنغلق ينسجم كثيراً مع استراتيجية بوش التي تستغل المخاوف وتعمل على تضخيمها لتمرير مشروع «الحروب الدائمة» و«الضربات الاستباقية» وتقويض الاستقرار.
هذا جنون والاخطر منه تحوله إلى حالة شعبية تتجاوز حدود ولايات وسط غرب اميركا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 780 - الأحد 24 أكتوبر 2004م الموافق 10 رمضان 1425هـ