اعتبر المفكر الإسلامي السيدهاني فحص أن الاستبداد الديني يعد من أخطر أنواع الاستبداد، وهو أشد فتكا من الاستبداد العلماني على رغم قساوته «فالاستبداد العلماني (منذ شاه إيران الى صدام حسين) ربما كان أقل فتكا بالدين وأهله من استبداد أهل الدين بالدين وأهله». جاء ذلك في محاضرة الإسلام والديمقراطية التي ألقاها في بيت القرآن مساء أمس الأول.
وقال فحص في الندوة التي حضرها وكيل وزارة الشئون الإسلامية وحشد من العلماء والسفراء والنواب «إننا لسنا مع الإسلام والديمقراطية بين نظامين حضاريين، بل نحن مع نظام حضاري إسلامي تاريخي متحرك ومتجدد على أصوله، نازع بعمق الى استيعاب التعدد وتجاوزه بمعنى رفعه الى مستوى أطروحة إنسانية على شرط الحرية». مستأنفا «من هنا تصبح الديمقراطية - التي كانت ومازالت تعبر عن شوق إنساني في حضور المشهد - منجزا تاريخيا دائم الإنجاز تقع نظريا في نظام الأفكار الإسلامي العام ولا تتعارض مع قيمه».
وأكد فحص ان الإسلام في شموليته وعالميته «لا يرتكز على المصادرة والإلغاء، بل هو مشروع ديمقراطيات تتعدد بتعدد المجتمعات، ولكنها تشترك في فضاء الحرية وتلتقي فيه (...) والاختلاف الحضاري لا يصح أن يكون مبررا للقطيعة. وتساءل فحص عن رؤية الإسلام لمشروع الدولة ومقوماتها، وهل أنه منح شكلا للدولة بحيث يمكنها أن تستوعب المتغيرات الاجتماعية؟ واستشهد السيدهاني فحص بمقولة للإمام علي (ع) للتدليل على ضرورة وجود نظام يحكم الكيان البشري وينظم حياته «لابد للناس من أمير بر أو فاجر»، وأوضح أن هذه المقولة لا تعني أن علي (ع) قد تخلى عن شرط العدالة لتأسيس العلاقة بين الدولة والمجتمع، وإنما اعتبر - في المقام الأول - أن وجود الدولة - مهما كانت دكتاتورية - فإنها ستكون دكتاتورية نسبية في قبال عدم وجودها الذي يعني الدكتاتورية المطلقة». منوها بأن الإسلام قد راعى الخصوصيات الاجتماعية ولم يعمد لمصادرتها.
وعن نظرية فصل الدين عن الدولة رأى فحص «ان كانت هذه النظرية ممكنة التطبيق في الغرب، فهي غير ممكنة في معناها الكامل في مجتمعاتنا، فالمسيحية في الغرب وافدة، بينما المسيحية والإسلام في حالتنا نابعة منا ونحن نابعون منها، وهذا تعقيد إضافي ونوعي لابد من مراعاته».
وعن رأيه في ولاية الفقيه قال فحص إن هذه النظرية تمثل حكما شرعيا كبقية الأحكام الفقهية الأخرى (...) ليس من شأن الفقيه صوغ الدولة إلا في حدود مشاركته كصاحب اختصاص مع الآخرين. وفي المقابل لا يصح تبادل الاتهامات بين معتقدي النظرية ومخالفيها.
وعما إذا كان يتبنى الكثير من آراء المفكر أركون رد فحص بالنفي «أنا لست خريجا من مدرسة أركون، بل أنا تتلمذت على يد السيدمحمدباقر الصدر والسيدمحسن الأمين، ولم أقرأ كتب أركون إلا قبل سنتين من الآن».
وفي رده على سؤال عن السر وراء تخلف مجتمعاتنا عن الديمقراطية، هل هي لطغيان الدول والحكومات أم أن الخلل في الشعوب؟ رأى أن «الشرط الداخلي هو الأساس، نحن نتحدث عن المستقبل ولا ننظر إلا إلى الماضي». مسترسلا «على مدى قرون طويلة عطلنا دور العقل في التنمية وتراجعت بذلك قدرتنا على التحدي» ووجد أن الحل يكمن في نهضة الأمة عبر تنمية شاملة وتخطيط واع للمستقبل ورؤية بصيرة على قدر هذا الكم الكبير من التحديات التي تواجهنا
العدد 780 - الأحد 24 أكتوبر 2004م الموافق 10 رمضان 1425هـ