يقول فرانزا كافكا في «التأملات»: «يشكو الكثيرون من أن كلمات الحكماء تؤلف المواعظ التي لا مكان لوجودها في الحياة اليومية. وهي الحياة الوحيدة التي نعرفها. فعندما يقول الحكيم: اذهب إلى هناك، فإنه لا يعني أن علينا أن نذهب إلى مكان محدد، وهو ما نستطيعه على كل حال لو كان العمل يستأهل جهدنا. ولكن الحكيم يطلب منا في الحقيقة عملاً حسناً. لا يعرف على وجه الدقة، ولا نستطيع نحن أيضاً أن نحدده. وقد لا يفيدنا إلا قليلاً. فنحن لا نفهم الموعظة لأننا لا نعرفها. لكننا نعرف هموم الحياة اليومية». (كافكا «مأساته وأعماله» ص 58) وفي السياق ذاته، يبهرنا كافكا بحنكة فلسفية رائعة حين يقول: «وبهذه المناسبة، سئل رجل يوماً عن أسباب ترددنا، وأجاب: إنكم لو اتبعتم المواعظ لأصبحتم أنتم أنفسكم مواعظ. وبهذا تتخلصون من همومكم اليومية. فقال آخر: أراهن أن ما قلته موعظة. فأجابه الأول: لا. لقد كسبت الرهان. فقال آخر: ولكنه للأسف موعظة. فأجاب الأول: لا. ففي الحقيقة انك قد خسرته في الموعظة».
وددت ممّا تقدم إسقاط صورة نموذجية عامة على الحوار القائم بين جمعية الصحافيين ونقابة الصحافيين (تحت التأسيس) والذي بدأ منذ عامين، و«رمضانين وشوالين وصَفَرين»، وهما يناقشان العضوية بخلفياتها المهنية، وصوغ مسودة نظام أساسي موحد، وهي النقطة الوحيدة الباقية كما يقولون، فيما مجلس إدارة الجمعية انتهت صلاحيته الافتراضية والقانونية منذ «سبتمبرين وأكتوبرين، وربما نوفمبرين وديسمبرين أيضاً مقبلة»، ومقر الجمعية التي حصلت على مباركة رسمية ومن اتحاد الكتاب والصحافيين العرب لتحولها إلى نقابة على طريقة «من يشهد للعروس!»، قد أغلقت أبوابه وبيع عفشه، وتناثر الأعضاء بعد «توريث» رئاسة مجلس الإدارة من شخص الى آخر.
الحوار بين اللجنة التحضيرية للنقابة (تحت التأسيس) ورئيس جمعية الصحافيين كان بإشراف الوسيط القانوني حسن رضي قد وصل كما يقولون إلى «مراحل نهائية» تم من خلاله صوغ مسودة القانون الأساسي أو النظام الداخلي الموحد للنقابة بعد تدقيق وتعديل صياغات، ولم تبق سوى قضية عضوية «الأجانب في النقابة» أهي بالانتساب أم أعضاء عاملين، أو بالانتساب لعدد من السنوات (5 أو 10 سنوات) ليتحولوا «أوتوماتيكياً» إلى أعضاء عاملين.
حسناً، هل ننتظر نحن معشر الصحافيين البحرينيين «رمضانين آخرين» لحل معضلة عضوية «الأجانب في النقابة» وتتحول الجمعية إلى نقابة تحت مسمى «الأمر الواقع» بسبب نفوذها الرسمي، في حين جمعية الصحافيين «فاقدة للشرعية»، بحسب قانون العمل ذاته، والذي أعطي مهلة «ستة شهور لتحديد مقر الجمعيات، وشهرين لعقد الجمعية العمومية لكل جمعية» وتبديل أوضاعها «بصحوة متأخرة» ابتداءً من 24 يوليو/ تموز الماضي عن طريق إيجاد مقر دائم لها يمكنها من مزاولة أنشطتها، وذلك استناداً إلى المرسوم بقانون 21 للعام 1989 والذي ينص على وجود اسم الجمعية وعنوان مقرها ورقم تسجيلها ونطاق عملها في جميع دفاترها وسجلاتها، وكذلك عقد اجتماع للجمعية العمومية مرة واحدة على الأقل في كل عام.
مجلس إدارة جمعية الصحافيين فقد شرعيته منذ أكثر من سنتين منذ انتخابه في العام 2000، وصلاحيته لألفين واثنين، ولم تجتمع جمعيتها العمومية منذ ثلاث سنوات التي من المفترض بحسب قوانين وزارة العمل التي نراها تستأسد بها على الجمعيات الأخرى «بتهديدها وبحلها وتجميدها وبإنذارها بين الحين والحين»، وفي مقابل ذلك، نلاحظ انها تبارك لجمعية الصحافيين تحولها إلى نقابة؛ ولم لا، فهي تبحث عن نقابات صفراء غير مستقلة تحت عباءتها، والاستقلالية دائماً بالنسبة إلى الحكومات العربية «مرض إيدز» والعياذ بالله!
يسجل إلى اللجنة التحضيرية لنقابة الصحافيين البحرينيين (تحت التأسيس) حسنة التعقل في الرأي التوفيفي لتوحيد الجسم الصحافي، ومقاييس العضوية، وإحساسها العالي بالمسئولية، لكن التباطؤ أو الشعور المفرط بألا يكونوا سبباً في قطع الحوار مع جمعية فاقدة للشرعية، لا يعطي اللجنة التحضيرية مبرراً كافياً لاستمرار هذا الحوار الذي طال، مع علمهم الأكيد أن جمعية الصحافيين ومن ورائها الجهات الرسمية تمضي قدماً في إجراءات أحادية ومنفردة لتأسيس النقابة بحسب مقاساتهم التي لا تشرف جل الصحافيين البحرينيين المتطلعين إلى نشر وتعزيز مبادئ ثقافة التعبير عن الرأي باعتبارها من الأسس الضرورية لإيجاد صحافة حرة ومستقلة بعيدة عن التدخلات والهيمنة لأية جهة كانت، لإنقاذ جمعية الغالبية الصحافية تقر بأنها «ميتة إكلينيكياً».
لم يبق على نقابة الصحافيين إلا أن تحسم أمرها من دون وعظ ومواعظ لا نفهمها ولا نحسها بقدر ما نعرف همومنا الصحافية اليومية وما نعانيه ولا نجد من يسمع صوتنا وصراخنا، وهناك على الضفة الأخرى من يعبث في الخفاء وتحت «السراديب» بمصالحنا المهنية والأخلاقية، ويقرر نيابة عنا ساعة «شد الوسط، وساعة فض السهرة» على طريقة: «من يدفع للزمّار يطلب اللحن الذي يريد!»
العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ