تكليف عمر كرامي بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة يعتبر خطوة حاسمة للقطع مع مرحلة رفيق الحريري. إلا أن القطع مع مرحلة سابقة لا يعني الانقطاع عنها. فالأزمة اللبنانية الآن لم تعد منعزلة عن تداعيات المنطقة والتحولات الإقليمية والدولية الجارية. كذلك أصبحت التحركات المحلية عرضة للمراقبة والتعليقات اليومية السلبية التي تصدر عن مراكز القرار في مجلس الأمن. فالدول الكبرى وجدت في القرار 1559 ذريعة للتدخل وباتت السياسة التدخلية سمة تطبع كل التحركات الأميركية في المنطقة وخصوصاً حين تقرر واشنطن التحرش بسورية ودورها في لبنان.
تكليف كرامي بتشكيل الحكومة الجديدة لن يكون بعيداً عن ضغوط المراقبة الدولية. فالتكليف قطع مع الحريري ولكنه لايزال يخضع موضوعياً للشروط نفسها التي أقرها مجلس الأمن في بيانه الرئاسي الأخير.
الرئيس المكلف كما يبدو ليس حراً في اختياراته وهو لا يستطيع السير بعيداً في خطواته من دون التعرض لضغوط أميركية - فرنسية في وقت يعاني لبنان من أزمات تهدد استقراره المالي.
هناك إذاً مهمات صعبة تواجه الحكومة الجديدة من الآن إلى مايو/ أيار المقبل موعد الانتخابات النيابية. وبين أكتوبر/ تشرين الأول والانتخابات سبعة أشهر يرجح أن تشهد خلالها المنطقة الكثير من التطورات الانقلابية. وكل هذه التطورات الانقلابية مرهونة بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وبعد الرئاسة الأميركية هناك احتمال نقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي. وبعده تأتي الانتخابات العراقية في يناير/ كانون الثاني المقبل وتسلم وتسليم السلطة إلى القوة الجديدة.
ولبنان في هذا السياق الدولي - الإقليمي لم يعد بعيداً عن تداعيات كل حدث بعد أن رُبطت أزمته بقرار يعطي للدول الكبرى حق التدخل في شئونه الداخلية.
إلى تلك التطورات الانقلابية المتمثلة في نتائج الانتخابات الأميركية، ثم الملف النووي الإيراني، وأخيراً الانتخابات العراقية... هناك الكثير من الملفات اللبنانية الداخلية لا تقل صعوبة عن الملفات الإقليمية والدولية.
لبنان الآن يعاني من أزمة الديون لا يقدر على تسديدها من دون اقتطاع الأموال من موازنته وانفاق احتياطاته النقدية التي بلغت 11 ملياراً من الدولارات. فمشكلة الديون وصلت إلى حدٍّ غير مسبوق في أية دولة في العالم. وباتت فوائد الديون تشكل ضغطاً على القطاعات الاقتصادية والمصرفية، إذ يرجح ان تصل في نهاية السنة الجارية إلى 35 ملياراً بينما بلغت نسبة النمو الاقتصادي في العام الماضي 5 في المئة ووصلت دورة انتاجه الوطني إلى 21 ملياراً. فالديون باتت الآن أكبر من حجم الاقتصاد اللبناني كذلك أخذت فوائد الديون تأكل النمو السنوي للاقتصاد.
وفي حال لم ينجح لبنان في التعامل مع هذه الأزمة المستعصية يتوقع ان ترتفع في السنوات القليلة المقبلة إلى قرابة 45 ملياراً ويصبح كل لبناني مكبلاً بقيمة عشرة آلاف دولار للديون العامة. ويعتبر هذا المبلغ الأعلى لأن المعدل العالمي لديون الفرد العامة يجب ألا تتجاوز ألف دولار.
إلى مشكلة الديون العامة هناك مشكلات متعاقبة تتعلق بالكهرباء والمياه والصحة والتربية وغيرها. فأزمة الكهرباء مثلاً أصبحت مشكلة وطنية. فالوزارة تستهلك مليار دولار سنوياً وتبلغ خسائر الشركة سنوياً 450 مليون دولار مقابل 450 ألف مشترك. أي أن كل مشترك يكلف موازنة الدولة ألف دولار خسائر سنوية. والدولة دفعت حتى الآن حوالي 5 مليارات دولار خسائر لشركة الكهرباء في وقت تشهد البلاد انقطاعات متتالية بسبب النقص في تمويل «الفيول» لتشغيل المحطات التي تعرضت مراراً لقصف الطيران الإسرائيلي.
مشكلات كثيرة تواجه حكومة كرامي وهي أكبر من أن تستطيع حكومة مقرر سلفاً أن تعيش سبعة أشهر للاشراف على الانتخابات النيابية المقبلة. ولهذه الأسباب يرجح أن تكون الحكومة الجديدة تشكيلة متجانسة لتصريف الأعمال وليس لحل الأزمات. فالأزمات ضخمة جداً ولا تقتصر على الديون والكهرباء، فهي في عمقها السياسي ممتدة تتجاوز حدود لبنان وليست بعيدة عن تداعيات المنطقة من بوشهر إلى غزة
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ