«الفقر» موضوع مطروح حالياً في البحرين وهو بحاجة إلى معالجة علمية مدعومة سياسياً، ولعل هذا ما حاولت دراسة «ماكينزي» التطرق إليه منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ثم في سبتمبر/ أيلول الماضي قبل أن يتحول الموضوع إلى كرة سياسية متدحرجة.
«الفقر» هو عدم قدرة الإنسان على شراء ما يكفيه من الغذاء المتكامل من ناحية السعرات الحرارية والمنوع إلى درجة مقبولة إنسانياً. والفقر - كمستوى آخر فوق هذا المعنى - هو عدم استطاعة الإنسان الحصول على مأوى مناسب يستطيع أن ينام فيه ويعيش مع من يحب تحت سقفه بكرامة وهناء.
الإنسان الفقير هو الذي لا تتوافر له الظروف ليمارس عملاً إنتاجياً يحصل منه على مردود مادي يمكِّنه من شراء ما يحتاجه من أجل حياة كريمة. والإنسان غير الفقير هو الذي يبذل جهداً إنتاجياً (من خلال عمل قرابة ثماني ساعات يوميا) يستطيع من خلالها تقديم خدمة أو منتج يحتاجه الآخرون المستعدون لدفع المقابل من أجل الحصول على هذه الخدمة أو ذلك المنتج.
«الفقير» إذاً هو شخص لا ينتج، وطاقته مهدورة في السأم من الحياة والاتجاه نحو الإحباط أو الثورة على مسببات حرمانه من الفرصة الكريمة. والفقير ولكي يتحول من حامل للفقر إلى مبدع ينتج فانه بحاجة الى تعليم وتدريب وقدرات، وأهم من ذلك سياسية رسمية تسانده في كل ذلك. فالمجتمعات الناجحة تعتمد على الإنسان ذاته، تطور قدرات هذا الإنسان، وتوفر له وسائل تنميته لتحوله من عبء على الاقتصاد إلى محرك للنمو المعتمد على الإنتاجية العالية.
لقد تحول العالم كثيراً خلال العقود الماضية، وأصبحت المجتمعات الأكثر غنىً هي المجتمعات المنتجة معرفياً، بمعنى أن الإنتاج القائم على الخبرة والمعرفة يعطي مردودات أكبر بكثير من الإنتاج القائم على العمل اليدوي البحت؛ فالعمل اليدوي يحتاج إلى أيدٍ عاملة رخيصة، تكتسب المهارات المحدودة من خلال العمل الشاق. وإذا تم توجيه مركز ثقل الاقتصاد نحو هذا النوع من الأعمال، فإن النتيجة الحتمية لذلك هي ما يحصل لدينا في البحرين، إذ نخلق شهرياً نحو 2200 وظيفة للأيدي العاملة الرخيصة (نستوردها من شبه القارة الهندية فالاستجلاب اليومي أكثر من 70 شخصاً)، بينما لا نستطيع أن نوظف سوى نحو 250 بحرينياً شهرياً.
البحرينيون حاليا مطلوب منهم أن ينافسوا العمال غير المهرة والأيدي الرخيصة المستجلبة من بلدان فقيرة جداً. وهذا يعني أن الاتجاه هو نحو تنزيل مستوى معيشة البحريني إلى مستوى المعيشة في شوارع الهند وباكستان. وفي المقابل تزداد الأرباح لفئة صغيرة مستفيدة من وضعية غير سليمة.
الحل الأمثل هو في تحويل مركز الثقل من اقتصاد يعتمد على العمالة اليدوية الرخيصة إلى اقتصاد يعتمد على الخبرة المعرفية المرتفعة الثمن التي تنتج - في نهاية الأمر - مستوى معيشة أفضل للناس ويستفيد مستثمرو الأموال أكثر من استفادتهم من تدمير اقتصادات البلد، سعياً إلى منافسة الأحياء الفقيرة في شبه القارة الهندية.
كل هذا الكلام جميل وسهل، ولكن الصعوبة تكمن في الاتفاق على الحل والاستعداد لبذل الجهد الجماعي ضمن خطة وطنية مدروسة تصاحبها إرادة فولاذية تقودها إلى الأمام. ومن دون ذلك، سيتحول الفقر إلى كرة ثلجية متدحرجة تثير الأوضاع باستمرار
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 779 - السبت 23 أكتوبر 2004م الموافق 09 رمضان 1425هـ