نحن شعب طموح على رغم أن أحلامه غالباً ما تصطدم بألف باب مكبل بأقوى حديد، بقيادة حارس ما أصعب التغلب عليه... شعب لم يعرف اليأس أبداً على رغم ما يعترض طريقه من إحباطات قد تجعله يعدل من مساره باختيار السهل الممتنع... نحن شعب مغامر إن صمم على بلوغ هدف ما فلا يمكن أن يحيد عنه أبداً... نحن شعب صنعت منه كسرة الخبز المفقودة بطلاً لا يخشى في الله لومة لائم... نحن شعب خاض الغمار من أجل تحقيق مطلب ما علق عليه آماله وأحلامه ومستقبل عياله، وعندما خيل إليه أنه بلغ هدفه وبعد فرحة كادت تنسيه لبه أتاه من يوقظه من حلمه الجميل على واقع ما فتئ يتجرع قساوته ومره.
لست في مجال تسطير الخطب وترديد الشعارات فلها أصحابها الذين تغص بهم البلاد، إنما أنا في وارد استعراض أحلام شعب بكامل فئاته وطوائفه وحتى تناقضاته... أحلامه في مسكن كريم، وعمل يقيه ذل الحاجة، ودرهم يكسو به عياله، ودواء يكفيه عناء السفر إلى الخارج، وبلاد يطمئن فيها على نفسه وماله وعرضه ومستقبله... حلمه في وطن يجد فيه كل ما يصبو إليه فتعيف نفسه وطناً آخر غيره... حلمه في وطن ترخص نفسه وكنوزه أمامه كونه لم يقصر يوماً عليه.
هذه الأحلام التي علقها شعب بكامله على عاتق مجلسين بأعضائهما... على نواب رشحهم الشعب بصوته كي يكملوا مشواره الذي خطا خطوته الأولى فيه بإيصال من وثق بهم إلى منصب ظن لفترة من الزمن أنه السبيل الوحيد لبلوغ ما يريد، وحينما اعتلى أولئك الموثوق بهم العرش بأن المخبأ وكشف المستور!
سنتان ونحن ننتظر الإيفاء بالوعود... وكأن كتب علينا في هذه البلاد أن نقضي عمرنا كله ونحن ننتظر تحقيق ولو جزء يسير مما نوعد دائماً به... قريباً وعاجلاً... كلمتان يبدو أن معناهما تغير في معاجمنا اللغوية حتى باتتا تعنيان مزيداً من الانتظار قد نقضي نحبنا من دون أن ننعم ولو بالوقوف على باب من وعدنا بالأيام الوردية فزادها سوادا على سوادها!
سنتان ونحن نسمع كلام هذا وكلام ذاك... وشتيمة هذا وردها من ذاك... وصراخ هذا وإغفال ذاك... سنتان ونحن نمني النفس بغد أفضل وأن المشوار مازال في أوله وكل مشروع جديد له من الثغرات ما يجعله يتعثر قليلا ولكنه سرعان ما ينهض مواصلا خطاه بثبات أشد وقوة أكبر... سنتان ونحن نضحك على بلوانا وخذلاننا ممن سلمناهم زمام أمورنا فصنعوا منها سيناريواً يمارسون فيه دور البطولة في جلسات الغضب والحوار العقيم وجدل الكلام!
سمعنا أنباء قلبت كياننا، وجعلتنا نعيد حساباتنا التي بعثرناها بسوء تخطيط منا فضيعنا معها طريق الوصول إلى الهدف... فبدينار واحد نستطيع أن نسكت «رغي» بطوننا... بمئتي دينار حداً أدنى نقبل بعمل نسترزق به... بخمسة آلاف حدا أقصى سنتمكن من شراء سيارة جديدة مكيفة ترحمنا من التوسل إلى الناس لساعات وساعات حتى يوصلونا إلى حيث نريد لأن سيارتنا معطلة... بكم ألف سنتمكن من علاج مرضانا في أحسن المستشفيات فنفر بهم من أطبائنا اللاعبين بأجساد البشر... بكم ألف سنتمكن من شراء بيت «إن شاء الله لو نص عمر» يلمنا وعيالنا ونعيش فيه بسلام العمر كله... كم ألف دينار - هذا إذا لم تكن دراهم - نقضي زهرة شبابنا ونحن نحاول توفيرها لنؤمن مستقبل أولادنا الذي بلاشك سيكبدنا قروضاً وقروضاً تقضي على رواتبنا ونصفي نحن على «الحديدة»... هذا من أجل المستقبل والعمر كله... بينما نحن، وفي ظرف سنتين فقط، اشترينا لغو الكلام بـ 12 مليون دينار!! ألم نقل إننا أسأنا التخطيط، فلا بأس امنحونا فرصة أخرى فما كان درساً وعبرة لمن يعتبر
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 778 - الجمعة 22 أكتوبر 2004م الموافق 08 رمضان 1425هـ