هذا الشيخ الكبير تتبعت بعض كتبه قبل 10 سنوات وأول كتاب قرأته له هو باسم «التهويد الثقافي» وكتاب «تفاصيل قلب»... كتبه تحمل عمقاً حركياً مكتنزة بتجربة فريدة من نوعها وما بين عمق المعنى وهرمية التجربة وكهولة التاريخ تتربع ألوان جميلة من الأدب العربي الخلاب مزيجة بشعبوية نزارية وحداثة أدونيسية. يلتقط خيط الوصول أجاثا كريستي وتكتشف فيه أنسنة العمق تتصفح أفكاره حين تقرأه وكأنك تقرأ فرانتز خانون وهو يسرد حزنه في رواية «معذَّبو الأرض». وحين تحفر العقل الفكري له تكتشف روح النجف فيه متانة فكر متكئ على فقه متنور عصري. هذا هو السيدهاني فحص. لست في مقام مدحٍ ولكني كلما اقتربت منه وجالست هذا المفكر اللبناني الأصل الأممي التوجه، الإنساني في الطرح ازددت قناعة بالوسطية طريقاً لبقاء الحياة، وأجمل ما في الرجل هدوء أفكاره التي بقيت 50 عاماً تطبخ على نار هادئة في زمن كان يعيش عصف الحزن والحرائق ابتداءً من النجف حتى الحرب الأهلية في لبنان مروراً بأزمة فلسطين إلى أزمة العراق... عندما أجلس مع السيدهاني فحص أتذكر قولاً جميلاً لحكيم الصين كونفوشيوس إذ يقول: «الأنهار الأكثر عمقاً هي الأكثر هدوءاً».
قبل 15 يوماً ذهبت إلى لبنان وقصدت الرجل في منزله وكان قريباً من بيوت الفلسطينيين. المنزل يقع في حي شعبي... جلست مع السيد ساعتين وفتحت معه حواراً طويلاً عن كثير من القضايا والأمور تتعلق بالبيت اللبناني وأيضاً البيت العربي حتى استقر بنا الحديث عن هموم البيت البحريني. كانت الرؤية واضحة بالنسبة إليه... وأجمل ما في الحديث قراءات السيد الفكرية والتنظيرية. السيد هو عالم دين لكن علمه في الإسلام لم يكن في يومٍ من الأيام حاجزاً عن انفتاحه على الآخر. أصدقاؤه من جميع الأطياف ويحدثني السيد قائلاً: الشباب المسيحيون وكذلك الشباب من الطائفة السنية يأتون إليّ يشكون لي همومهم. فالسيد من الدعاة الأوائل للحوار الإسلامي المسيحي. وصاحب رؤية نقدية معرفية لمجمل أوضاع المنطقة وهو يحظى بعلاقات واسعة في العالم العربي الإسلامي. ولعل من ثمار الانفتاح السياسي في البحرين هو تزايد ظاهرة استضافة المفكرين الإسلاميين والمفكرين العرب من قبل المملكة.
فالسيد جاء هذه المرة مدعواً من قبل وزارة الشئون الإسلامية وهنا نشكر الوزير على هذه الاستضافة الكريمة ونشكر أيضاً وكيل وزارة الشئون الإسلامية والذي كان له دور محمود في انتقاء مثل هذه الشخصيات المنفتحة التي لا شك أن وجودها يدعم الوحدة الوطنية والوحدة الإسلامية لما تعيشه من بعد فكري وسياسي. كما أن السيد على موعد آخر في هذا العام لمحاضرة سيلقيها في مركز الشيخ إبراهيم وستكون المحاضرة مهمة تحمل آفاقاً أخرى، وهنا أيضاً نشكر الشيخة مي على دورها الدائم في استضافة الكوادر العربية والإسلامية. كل أملي أن يستفيد الشباب البحريني بشتى أطيافه من هذه الشخصية ومن تجربتها. لعل من شاهد حوار السيدهاني فحص عبر قناة «العربية» عن أوضاع العراق يكتشف مدى عمق تجربة الرجل وكذلك حواره في قناة «اقرأ» إذ لقي صدى واسعاً.
شكراً للسيد على تلبيته للدعوة والشكر أيضاً يقدم للمملكة على هذه الاستضافة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 778 - الجمعة 22 أكتوبر 2004م الموافق 08 رمضان 1425هـ