العدد 778 - الجمعة 22 أكتوبر 2004م الموافق 08 رمضان 1425هـ

نكهة لبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الخارج من لبنان غير الداخل إليه. عندما يدخل المراقب لبنان تكون الأمور واضحة. فالمراقب يقرأ صورة الموقف في ضوء التوازنات الدولية والإقليمية ويرى لبنان في إطار مشهد عام تغلب عليه العموميات التي لا تكترث كثيراً للتفصيلات المملة. وحين يخرج المراقب تختلط عليه الأمور وتبدأ الجزئيات تأخذ دورها في تعديل صورة الموقف بعيداً إلى حد نسبي عن تلك التداعيات الدولية والإقليمية. فالجزئيات كثيرة في لبنان وهي في غالبيتها تضلل صورة المشهد وتسهم في تزوير الحقائق وأحياناً قلبها.

هذا النوع من التفكير السياسي له أسبابه «اللبنانية». فهذا البلد الصغير شديد التعقيد في تركيبته الطائفية والمذهبية والمناطقية. وبسبب هذا التنوع تمتعت التعددية اللبنانية بخصوصية يصعب ان نجد شبيهاً لها في المنطقة العربية. حتى هذا النوع من التعددية لا نجد ما يقاربها في الحياة السياسية الأوروبية أو الأميركية. فالتعدد اللبناني هو خاص في نكهته السياسية. وأساس تلك النكهة نراه في المأكولات التي تعتمد على خلط المواد والاذواق كالتبولة والكبة وغيرها من أطعمة تميزت بمذاق خاص أساسه «الخلط» بين الأشياء.

ويبدو ان «الخلط» في الأطعمة والمأكولات تسرب بحكم العادة إلى الخلط في السياسة والتفكير والتحليل. فحين تجلس مع سياسي للنقاش في مسألة معينة تحتار في منهج التحليل الذي يعتمده. فهل هو يفكر هكذا بحكم منبته الاجتماعي أو يدافع عن منطقة أو طائفة أو مذهب... أو انه يخلط كل تلك الانتماءات في «طبخة» سياسية تنتهي أخيراً لقول ما يريد قوله.

«اللبنانية» في هذا المعنى ضعيفة حتى لو كان اللبناني شديد التعصب للبنان. فاللبنانية قد تكون أو ربما تنتهي إلى دائرة جغرافية (طائفية أو مذهبية) معينة تقرأ تاريخ العالم والمنطقة من خلال تلك الزاوية الصغيرة التي يرى منها كل العالم والمحيط العربي. فالخلط هو أساس المائدة اللبنانية (الشهي في كل الحالات) كذلك يمكن القول إن الخلط هو أيضاً أساس السياسية اللبنانية (الشهي في بعض الحالات).

الخارج من لبنان يحتاج إلى فترة نقاهة حتى يقرأ المراقب كل تلك الجزئيات والتفصيلات ليعيد تركيب صورة المشهد في ضوء التحولات الدولية والإقليمية وفي إطار منهج تحليلي يحدد الجديد الذي حصل في الأسابيع الأخيرة.

الجديد في الموضوع ان الكثير من اللبنانيين لا يدرك معنى صدور القرار الدولي 1559 ولا يفهم المعاني الخفية لتلك الاشارات الخطيرة التي وردت في فقراته. ويستغرب البعض التدخل الأميركي في الشئون اللبنانية ويستنكر ملاحظات واشنطن وتقديم رأيها في التفصيلات الصغيرة من نوع استقالة رفيق الحريري أو تشكيل حكومة جديدة. فهؤلاء يتجاهلون بأن القرار الدولي أعطى ذريعة للدول الكبرى بالتدخل، وخطورته انه يعفي الدول المعنية في مجلس الأمن من تهمة التدخل. فالقرار الدولي صدر أصلاً لتوفير تلك الذريعة واعطاء الدول الكبرى صلاحيات التدخل، لانه في معناه العام «دوَّل» الموضوع اللبناني وباتت «التدخلية» في الشأن المحلي تتمتع بشرعية قانونية.

أزمة لبنان دخلت مرحلة التدويل. ولبنان الآن، بعد صدور القرار 1559، لم يعد مسألة محلية إثر اختلاطها بالشأن الإقليمي العام. الشأن الأخير ليس معزولاً عن تلك التحولات الدولية التي ترسم معالمها «كتلة الشر» الحاكمة حتى الآن في واشنطن.

الخارج من لبنان يحتاج إلى نقاهة لإعادة تجميع قواه العقلية، تسمح له بترتيب أفكاره في منهجية ترسم صورة الموقف المحلي في إطار إقليمي لا يعزل الجزئيات عن بعضها ويعيد ربطها في سياق عام لا يخرج كثيراً عن تلك التداعيات التي حدد قعرها القرار 1559

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 778 - الجمعة 22 أكتوبر 2004م الموافق 08 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً