احتفل بعض المسلمين يوم الإثنين الماضي بالمولد النبوي الشريف، بينما يحتفل به البعض الآخر في السابع عشر من ربيع الأول... وكلنا نتفيأ بظلال الرحمة المهداة للعالمين، ولا نملّ من إحياء المناسبة التي تنعش الأرواح بذكر الحبيب.
قبل ليالٍ، كنت أتصفّح بعض الكتب التاريخية لأجدد معلوماتي عن المولد النبوي الشريف، من بينها «سيرة ابن هشام» رحمه الله، التي اقتنيتها قبل سنواتٍ من إحدى المكتبات القريبة من الحرم في مكة المكرمة.
وكنت أبحث في الفترة ذاتها عن معلوماتٍ عن شخصية أحد دعاة الوحدة الإسلامية، المجتهد الكبير عبدالحسين شرف الدين رحمه الله، حيث أعدت قراءة المقدّمة الوافية لكتاب «النص والاجتهاد». فالسيّد الذي وُلد في الكاظمية بالعراق، لأبوين من السلالة النبوية، (الإمام الكاظم هو جده الحادي والثلاثين)، خلّف أكثر من 14 كتابا متداولا في المكتبة الاسلامية، وكان أول مؤلفاته كتاب «الفصول المهمة في تأليف الأمة».
المناسبة السعيدة قادتني إلى قراءة الهامش بإحدى الصفحات، حيث يذكر المترجم أن السيد شرف الدين اختار يوم 12 ربيع الأول لإحياء ذكرى مولد النبي الأعظم (ص)، وعندما كان ينتهي من الاحتفال في الحسينية بمدينة صور اللبنانية، يذهب إلى مسجد إخوانه السنّة لتهنئتهم ومشاطرتهم أفراحهم في عيد المسلمين العام.
المسلمون اختلفوا في تعيين ذلك اليوم المبارك، فبعض علماء الشيعة يتفقون مع علماء السنّة في يوم الثاني عشر من ربيع الأول، لكن أكثريتهم تراه يوم السابع عشر، وكان شرف الدين يختار اليوم الأول لأنه «أجمع لشمل المسلمين وتوحيد كلمتهم».
هذا الرجل الربّاني، سافر إلى مصر مرتين: الأولى وهو في طريقه إلى الحج عام 1910م، حيث نزل القاهرة وجرت مداولات فكرية رفيعة مع شيخ الأزهر المرحوم سليم البشري، تدلّ على أدبٍ جمٍّ وخلق إنساني رفيع لدى الشيخين، وطُبع لاحقا في كتاب «المراجعات». أما الزيارة الثانية فزارها لاجئا عام 1920، هربا من الفرنسيين الذين أرسلوا له جيشا للهجوم على بيته وحرق داره ومكتبته بما فيها من ذخائر، من بينها 18 كتابا في الفقه والسيرة والرجال والحديث. وبسبب مطالبته بالاستقلال وإفتائه بالجهاد لاحتلالهم سورية ولبنان، حكموا عليه بالإعدام، فسافر أولا إلى الشام متنكرا، فاستقبله الملك فيصل الأول، ويوسف العظمة شهيد ميسلون. ثم خرج عبر فلسطين إلى مصر متنكرا بالكوفية والعقال، وقصد أحد الاحتفالات الحاشدة، فظنّه الجمهور أعرابيا بسيطا، ولكن ما أن ارتقى المنبر خطيبا متدفقا حتى علا التصفيق:
إن لم أقف حيثُ جيشُ الموتِ يزدحمُ
فلا مشت بيَ في أرضِ العلا قدمُ
ولما سألوا: من يكون؟ أجابهم من يعرفه: هذا رجل العلم والوطنية، محارب الاستعمار. وكانت في الاحتفال الأديبة المعروفة مي زيادة، فعلّقت وهي تراه يداعب خاتمه: «لا أدري هل الخاتم أطوع إلى بنانه أم البيان أطوع إلى لسانه»... وهكذا احتفت به الطبقة المثقفة في مصر.
السيد هو صاحب الكلمة المشهورة عن الطائفتين: «فرقتهما السياسة فلتجمعهما السياسة»، لو جاء اليوم هل ستتسع لخطبه الوحدوية صدور بعض العواصم العربية في هذا الزمان؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2380 - الخميس 12 مارس 2009م الموافق 15 ربيع الاول 1430هـ