فيما يتابع الإعلام العالمي خط سير الأزمة المالية العالمية، متوغلا في تفاصيلها الداخلية، يتراجع إلى الوراء الحديث عن موجة أزمة عالمية أخرى هي الأزمة الغذائية، التي تعبر عن نفسها في إطار مزدوج يتوزع بين شحة بعضها من جهة وارتفاع أثمانها من جهة ثانية. ولعل أهم ما يميز الأزمة الغذائية عن شقيقتها المالية أنه بينما هذه الأخيرة من القطاع العقاري والمالي في الأسواق المتقدمة مثل السوق الأميركية، بدأت هذه الأخيرة في البلدان الأكثر فقرا وخاصة تلك التي تقع جنوب الصحراء في القارة الإفريقية، دون أن يعني ذلك عدم معاناة الأخيرة منها. فوفقا لتقارير صادرة عن وزارة العمل الأميركية، فإن «أسعار المواد الغذائية في الولايات المتحدة شهدت في أبريل/ نيسان 2008 ارتفاعا بصورة لم تحدث منذ 18 عاما». جرى ذلك في ظل تراجع طفيف في معدلات التضخم، التي لم تتجاوز حينها 4.0 في المئة، وهو معدل مقبول إذ ما أخذ في الحسبان الأزمات الغذائية والمالية اللتين ترافقت مع ارتفاع أسعار النفط أيضا.
الملفت للنظر عند الحديث عن الأزمة الغذائية، أنها على العكس تماما من الأزمة المالية، ذلك لكون الإنفاق الإجمالي للمستهلكين تتناسب عكسيا مع مستويات الدخل. فعلى سبيل المثال، وكما تقول أرقام صندوق النقد الدولي ووردت مقالة نشرت على موقع هيئة الإذاعة البريطانية بينما «يمثل الغذاء 60 في المئة من سلة الاستهلاك للسكان في إفريقيا جنوب الصحراء، فيما لا يمثل أكثر من 30 في المئة في الصين و10 في المئة فقط في الولايات المتحدة.
ولتقدير مدى معاناة الدول الفقيرة، وخاصة الإفريقية من جراء تلك الأزمة، يمكننا بتصريحات رئيس البنك الدولي روبرت زويليك في منتصف مايو/أيار 2008، حين أكد أن «الارتفاع المطرد في أسعار المواد الغذائية يهدد بدفع 30 مليونا من سكان القارة الإفريقية إلى تحت خط الفقر، إلى جانب 800 مليون إنسان في هذا العالم يعانون اليوم من سوء التغذية، ومع هذا الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، سيستمر هذا العدد بالارتفاع». ونظرا لعمق الأزمة واتساع نطاقهها قرر البنك الدولي «تخصيص 1.2 مليار دولار على شكل قروض ومنح لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع أسعار الوقود والمواد الغذائية المرتفعة».
ولاينفرد البنك بكثل هذه المبادرة، إذ تقف إلى جانبه مؤسسات أخرى تابعة لأمم المتحدة حين أكدت أن «برنامج الغذاء العالمي التابع لها بحاجة إلى مبلغ 755 مليون دولار إضافي هذا العام (2008) لتأمين الغذاء للإعداد المتزايدة من الجياع في العالم».
ويصل الأمر بزوليك إلى القول بأنه شاهد في هايتي، وهي أول دولة في العالم تسقط حكومتها من جراء أزمة الغذاء، من «قيام الجياع بتناول فطائر مصنوعة من الطين يضيفون إليها قليلا من الزيت والملح».
وكما شاهدنا في الموقف من الأزمة المالية العالمية، عندما تنادت المنظمات المالية العالمية والإقليمية من أجل التخفيف من وطأتها ووضع الحلول المناسبة لها، كذلك الأمر بالنسبة لأزمة الغذاء العالمية. وكما التقى زعماء العالم ومؤسساته المالية في دافوس ووضعوا أمامهم أسباب وتداعيات انهيار مؤسساتهم المالية، وسبل انتشالها من حالات الإفلاس والشلل التي تهددها، كذلك التقى في مايو/أيار 2008، في البيرو، زعماء خمسين دولة من أوروبا وأميركا اللاتينية وحوض البحر الكاريبي في بيرو لبحث مشكلة الفقر والارتفاع في أسعار الغذاء في العالم.
وكما قام البنك الدولي بعقد أكثر من لقاء خلال العام 2008، من أجل أن يتحمل، من يستطيع، المسئولية لوقف تنامي كرة الأزمة المالية المتدحرجة، كذلك وجدنا الأمم المتحدة خلال العام ذاته، تقوم برعاية من أمينها العام بان كي مون بتشكيل خلية أزمة خاصة بمتابعة أزمة الغذاء العالمي، التي يعاقد كي مون أنها «تضع المجتمع الدولي أمام تحديات كبيرة».
وفي السياق ذاته، وعلى طريق البحث حل للمشكلات المحيطة بالعالم من جراء أزمته الغذائية، يقترح الخطوات اللازمة لمواجهة الأخطار المباشرة الناجمة عن تلك الأزمة من بينها «إصلاحات في نظام المساعدات الدولية، بشكل تكون فيه أكثر تأثيرا على حياة الفقراء»، داعيا الدول المانحة «إلى الوفاء بالالتزامات التي قطعوها على أنفسهم خلال قمة غليز إيغلز للدول الصناعية بزيادة المساعدات».
هكذا إذا نرى تضافر قوى أزمتين تضعان دول العالم وشعوبه، دون أي استثناء، على حافة هاوية أن لم تتضافر، بالمقابل جهود، هذه الدول والشعوب من أجل درء هاتين الأزمتين والحد من تداعيات آثارهما. وللوصول إلى ذلك على تلك الدول، مثل الولايات المتحدة أن تتخلى عن أنانيتها وأن تضع حل مشكلتها في نطاق حل متكامل يشمل الجميع.
وإلى أن يحين ذلك يبقى مصير العالم، وعلى وجه الخصوص دوله الفقيرة وشعوبه الجائعة أمام خطر لن تقف آثاره عند حدود بلدانها بل ستعم أيضا حتى تلك الدول التي تتوهم أنها في مأمن من تلك المخاطر.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2380 - الخميس 12 مارس 2009م الموافق 15 ربيع الاول 1430هـ