قبل أيام صرح مسئول أميركي أن حكومته لم تسمح لطهران بامتلاك صواريخ متطورة لأن ذلك يشكل خطراً على «الشرق الأوسط» وعلى مصالح الولايات المتحدة، وجاء هذا التصريح في وقت أحبط فيه الفيتو الأميركي قراراً لمجلس الأمن الدولي يدعو الى وقف قصف المدن الفلسطينية بالقنابل والصواريخ الاسرائيلية وبما ان الشرق الأوسط الذي يتعرض لخطر الصواريخ الايرانية، كما يعنيه الناطق الاميركي، هو الكيان الصهيوني تحديداً، فان ذلك يعني ان واشنطن تريد في آن واحد تجريد العرب والفلسطينيين من كل سلاح للمقاومة واطلاق يد الاسرائيليين بلا حدود لتدميرهم بصواريخها.
إن الجمهورية الاسلامية الايرانية تتعرض لضغوط أميركية صهيونية هائلة، ليس من أجل تجريدها من أسلحتها الدفاعية فحسب بل لاستردادها كدولة تابعة لأميركا و«إسرائيل» وليس غريبا ان يجد الاميركيون والصهاينة أوساطا إيرانية تساعدهم في ذلك، إنما الغريب ان تجد عربا يقاومون الاميركيين وفي الوقت نفسه يزعمون ان إيران مع الاميركيين، فإن لم تكن كذلك فهم ويا للعجب يتمنون لو كانت كذلك. الامر الذي يدل على حال نادرة من حالات الحمق والجهل. فالذي يريد مقاومة العدو الاميركي - الصهيوني لا يمكن ان يستبعد إيران كصديق ويجب عليه بذل قصارى جهوده لتأخذ موقعها الى جانبه في حال كانت الى جانب العدو؟
لم يكن باستطاعة الاسرائيليين الحصول على النفط مباشرة من الدول العربية، لكنهم استطاعوا الحصول عليه مباشرة من الشاه، فهو كان المصدر الرئيسي لتمويلهم بهذه المادة الحيوية ليس فحسب، بل تحولت إيران الى سوق واسعة لتصريف المنتجات الاسرائيلية وأنشئت شركات برأس مال إسرائيلي - إيراني، وأخذت تلك الشركات على عاتقها مشروعات بناء المدن الجديدة والمراكز المهمة والابنية الحكومية وشق الطرق ورصفها وبناء السدود وتطوير الزراعة وتدفقت على الكيان الصهيوني مبالغ طائلة من الدولارات وبعد حرب 1973 تضاعفت الواردات الإيرانية من الكيان الصهيوني بسبب ارتفاع أسعار النفط وقد اتفق الطرفان على تأسيس نقل ملاحي (ترانس اسباتيك) لشحن النفط بالدرجة الأولى ومن ميناء عبادان الى ميناء ايلات. كذلك أقيم خط انابيب لنقل النفط الايراني من ايلات الى عسقلان وحيفا، كانت المساعدات الأمنية للشاه على انشاء جهاز المخابرات (السفاك) من أهم ما قدمه الاميركيون والصهاينة، وهي المساعدة التي انطلقت العام 1957 على ايدي الموساد الاسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية «CIA» ففي ذلك العام توصلت حكومة الشاه مع الاسرائيليين الى اقرار التعاون في مجال تبادل المعلومات ومواجهة الاتحاد السوفياتي وحركة التحرر العربي وكان تدريب الحرس الشاهنشاهي في نطاق ذلك التعاون وفعلا كان الشاه يستعين بالاسرائيليين لحماية نظامه، وحدث ذلك في العام 1960 عندما تعرض النظام لثلاث محاولات انقلابية، وكان الشاه قد أقام علاقات خاصة مع القادة الاسرائيليين مثل شيمون بيريز وحاييم هيرتزوغ وجاءت الثورة الاسلامية لتنقل ايران من جبهة العدو الى جبهة الصديق، حيث موقعها الطبيعي لكن الاسرائيليين والاميركيين يعتقدون اليوم ان بامكانهم استرجاع ايران، بعد احتلال العراق، فهل يستطيعون ذلك؟
العدد 777 - الخميس 21 أكتوبر 2004م الموافق 07 رمضان 1425هـ