العدد 777 - الخميس 21 أكتوبر 2004م الموافق 07 رمضان 1425هـ

فضل الله: الحوار الإسلامي الغربي يخرجنا من سوء الفهم

دعا الأوروبيين للخروج من العقدة التاريخية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

دعا العلامة المرجع الديني، السيّدمحمد حسين فضل الله، الأوروبيين إلى الخروج من العقلية التاريخية وهواجسهم حيال الإسلام، مؤكداً أن تنطلق ورشة الحوار مع الغرب ومع أوروبا على جميع المستويات.

وأشار سماحته إلى ضرورة أن تعمل الدول والأنظمة الإسلامية على تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، وانتقد تباطؤ الاتحاد الأوروبي في قبول تركيا ضمن عضويته، مؤكداً أن السبب يعود إلى هويتها الإسلامية، ومشيراً إلى أن المسلمين اندمجوا في أوروبا مع مواطنيهم وأنهم لا يعملون لاجتياحها.

سئل في ندوته الأسبوعية عن السبب في عدم قبول الاتحاد الأوروبي بعضوية تركيا في الاتحاد وعن كيفية إدارة العلاقة مع الأوروبيين، فأجاب: لطالما شعرنا كمسلمين بأن جوارنا مع أوروبا يستدعي حركة تقارب وتفاعل في العلاقات معها بما يفضي إلى تكاشف على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الدينية، باعتبار أن الإسلام لا يحمل أية عقدة تجاه الآخر ولا يعمل على تعزيز الفوارق مع الآخرين، بل يتحرك في خط إلغاء هذه الفوارق أو التخفيف منها، لأن الأساس العقيدي الذي يستند إليه يعمل لصداقة واسعة مع شعوب العالم كلها وليس العكس. ولطالما أحسسنا بأن أوروبا التي أقلعت عن عقلية الاستعمار، وغادرت طموحات الاستكبار يمكن أن تكون الأقرب إلينا من الولايات المتحدة الأميركية التي لا تعمل على استعداء الشعوب الإسلامية واستلاب خيراتها ونهب ثرواتها فحسب، بل تتحرك في خط تصاعدي لاجتياح العالم ضمن عقلية عدوانية تحملها شخصيات بارزة في الإدارات الأميركية باتت تحتقر حتى أوروبا وتنعتها بـ «أوروبا القديمة» وغيرها من الأوصاف التي تستبطن الرغبة في محاصرة دول الاتحاد الأوروبي ومنعها من الاحتفاظ بشخصيتها أو التطلع نحو دور قيادي عالمي.

وتابع: إن أوروبا هذه التي تفهمنا أكثر وتقف على مسافة أقرب من غيرها لمصلحة قضايانا يمكن أن تكون جارة صالحة إن لم تكن حليفة على المستوى الاستراتيجي، ويمكن أن تتعايش مع المسلمين على مستوى الاندماج الاقتصادي والتعاون السياسي بعيداً عن عقلية السيطرة والاستعلاء، ويمكن أن تنفتح معها ثغرة في جدار العلاقات الذي وقفت أحداث التاريخ وحساسيات الماضي حائلاً دون ذلك... ولكن ثمة معطيات سابقة وأخرى لاحقة تدفعنا إلى دعوة المسلمين والعرب إلى أن يتخففوا من حال الاشتياق هذه على أساس أن «رغبتك في زاهدٍ فيك ذلّ نفس»، ولأن أوروبا التي تركت المسلمين في البوسنة والهرسك فريسة سهلة أمام الصرب وغيرهم حذراً من أن يتحولوا إلى دولة فاعلة في أوروبا في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم تحركت بشكل حيي خجول لتوحي بشيء من الرفض للمجازر التي حلّت بهم، ولأن أوروبا التي ترفض بطريقة وأخرى انضمام تركيا المسلمة إلى عضوية دول الاتحاد الأوروبي وتضع في كل يوم شروطاً تعجيزية توحي بأن عقدتها من الإسلام هي التي تقف خلف مشروعاتها السياسية وتطلعاتها المستقبلية في مسألة العلاقة مع الدول والشعوب الإسلامية.

وقال: نحن لا نريد أن نناقش دول الاتحاد الأوروبي حول مدى استجابتها لدعوة الفاتيكان في الإبقاء على الشخصية المسيحية للاتحاد، ولكننا نقول لهم: لماذا تختبئون وراء أصابعكم ولا تدخلون في حوار واسع وشامل مع العالم الإسلامي، بل تتحدثون عن «فوارق ثقافية» وعن اختلاف في العادات والتقاليد والثقافات، ولا تتحدثون الحقيقة لتقولوا إن المسألة في العنوان التركي الأوروبي هي ما قاله رئيس تركيا السابق، تركوت أوزال، بأن رفض أوروبا لانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي لا ينطلق إلا من أن تركيا هي بلد إسلامي.. ثم إذا كانت المسألة هي هذه الفوارق الثقافية وهذه العادات والتقاليد فكم هي الفوارق الثقافية والفوارق في العادات والتقاليد بين شعوب دول الاتحاد الأوروبي نفسها بما فيها تلك التي دخلت في الاتحاد بسرعة قياسية؟!

وأضاف: إننا نشعر بأن ثمة هواجس مفتعلة لمنع حصول تقارب وتفاعل حقيقي بين شعوب العالم الإسلامي والشعوب الأوروبية، ونعرف بأن الإعلام الصهيوني من جهة والشخصيات الإسرائيلية واليهودية تعمل على إذكاء نيران هذه الهواجس واختلاق حوادث ومعطيات موهومة لتوسيع نطاق هذه الهوة، ولتحذير أوروبا لكي تعمل على إنقاص عدد المسلمين فيها، أو المهاجرين المفترضين إليها كما تحدث بذلك أكثر من مسئول إسرائيلي حالي أو سابق، كشمعون بيريز.

وأردف: ونحن في الوقت عينه، نعرف بأن ما تقوم به الجهات التكفيرية في العالم الإسلامي من إساءة لبعض الغربيين، أو ما تتحرك به في الخطاب المتخلّف، يسهم في تقديم نظرة مشوّهة عن الإسلام للمواطن الأوروبي أو حتى للناخب الأوروبي الذي له دوره الكبير في توسعة أو تضييق العلاقات مع هذا البلد الإسلامي أو ذاك، أو في مسألة انضمام هذا البلد الإسلامي أو ذاك لعضوية الاتحاد الأوروبي، ولكن ذلك لا يعفي المسئولين الأوروبيين الرسميين والكثير من الأحزاب الأوروبية ووسائل الإعلام الأوروبية المتعددة من مسئولياتها في إثارة العقد والحساسيات وحتى الأحقاد حيال الشعوب والبلدان والمجموعات الإسلامية.

وخلص إلى القول: إن على الأوروبيين أن يفهموا بأن المسلمين الذين اندمجوا معهم في مواطنيتهم أو الذين يهاجرون إليهم طلباً للعلم أو الرزق لا يعملون لاجتياح أوروبا من خلال الدعوة التي تسعى لإلغاء الآخرين، بل يشاركونهم في حياتهم وحتى في مشروعاتهم وأوضاعهم حتى في الوقت الذي يقدّمون فكرهم وآراءهم السياسية والثقافية والدينية، ولا يمثلون في الغالبية الساحقة منهم عنصر تخريب أو إقلاق أو تعقيد للعلاقات مع الشعوب الأوروبية، وهذا ما ينبغي أن يشكل عاملاً حاسماً في إسقاط الهواجس المفتعلة في خط العلاقات الإسلامية الأوروبية.

وختم: إننا ومن موقعنا الإسلامي ندعو إلى إدارة حوار إسلامي أوروبي وعربي أوروبي على نطاق واسع وشامل تشترك فيه الشخصيات الثقافية الأوروبية والأحزاب السياسية والشخصيات الرسمية ومراكز الدراسات الأوروبية، كما يشترك فيه مراجع المسلمين وعلماؤهم ومثقفوهم ومراكزهم الدراسية المنفتحة والحركات الإسلامية لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام ونظرته إلى الغرب وتصوره للعلاقة مع الآخر الديني أو السياسي أو العلماني وما إلى ذلك. كما نريد للدول والأنظمة الإسلامية أن تعمل على تحسين سجلها في مجالات حقوق الإنسان انطلاقاً من القيم التي ركّز عليها الإسلام في احترام الإنسان وحفظ حقوقه ورعايته ورفض اضطهاده والإساءة إليه إلى أي دين أو عرق انتمى... إننا نريد لورشة الحوار مع الغرب، وخصوصاً مع أوروبا، أن تنطلق، ولكننا في الوقت نفسه نقول للأوروبيين: أخرجوا من عقليتكم التاريخية، غادروا عقدكم وهواجسكم حيال الإسلام، وتعالوا إلى كلمة سواء في التعاون والتقارب ورفض الظلم الاجتماعي والسياسي والديني على مستوى العالم كله

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 777 - الخميس 21 أكتوبر 2004م الموافق 07 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً