العدد 776 - الأربعاء 20 أكتوبر 2004م الموافق 06 رمضان 1425هـ

الشعر والتلقي

سماهيج - حسين السماهيجي 

تحديث: 12 مايو 2017

هل يمكن لنا معاينة موضوعة «التلقي»، في عصر الانترنت والفضائيات، كما كنّا نعاينها ونتأمل في إشكالاتها وأشكالها من قبل؟!

هل القصيدة هي ما يتم التعامل معه بطريقة بصرية بدرجة أساسية؟ وهل المعاينة البصرية، اليوم، هي المعاينة نفسها بالأمس؟ وهل الشروط التي تخضع لها هي هي؟!

أليس المتلقي المعاصر مختلفاً عن المتلقي السابق، وهو يتعامل مع هذه التكنولوجيا المتطورة التي تزاوج بين العين والأذن، وتغري الآخر عبر تقنيات لم تكن تخطر ببال المهتمين بهذا الشأن من الذين غلّبوا جانباً في التلقي على جانب، واستمرأوا اللعبة الخاسرة في إقصاء الآخر الذي لن تكون للنص حياةٌ إلا به؟!

لنا أن نهجس، ونحن في غمرة هذه التطورات، بوجود حال تواصلية تدشّن للحظة التلقي الجديد والمغاير. وعلى أية حال، فإن جانب التواصل السماعي، في عصر الانترنت والفضائيات أخذ يستعيد شيئاً فشيئاً وجاهته التقليدية، ويتخطى ذلك - ضمن لحظة ثأرية إبداعية - إلى تحقيق إمكان تواصل بصري يتجاوز ما كان مطروحاً من مفاهيم التواصل والقراءة البصرية للنص التي أمعنت في تغييب الجانب الآخر من التواصل إلى درجة أنها أحدثت انفصالاً تاريخيّاً بين القصيدة والمتلقي. الأمر الذي أثّر على صور وجود النص الشعبية، ليغدو نخبويّاً بحتاً، ورافق ذلك تنظير جعل التسليم به أمراً واقعاً، ولا يحتاج إلى إقامة دليل أو تقديم برهان عليه. ثم إن هناك حال تواصلية تزاوج بين الأذن وبين العين، لتخلق مظهراً جديداً لم يكن ليتوافر من قبل. هذا المظهر الجديد يوائم بين الطرفين فيما يجعل استجابة المتلقي استجابةً تتجاوز لحظة وعيِها إلى تكريس حال الاستمتاع بالنص وما يترافق معه.

لو تأملنا، ثانيةً، في مقولة التواصل السماعي، فسنجد عبر بعض الأمثلة التي يمكننا الاستعانة بها، أنه بالإمكان خلق حالاً تواصلية جديدة مع المتلقي العام الذي فقدناه في العقود الماضية. بهذا تغدو بعض التجارب المتميزة على الانترنت علاماتٍ على الطريق لها أن تهيئ لما بعدها. فتجربة «جهة الشعر»، مثلاً، استطاعت تحقيق تواصلية كبيرة مع عدد هائل من المتلقين... وهي، وإن أتاحت إمكانات كبيرة للقراءة، إلا أنها تفتقر إلى العناية والتركيز على جانب «الصوت» بما يتناسب وحجم الموقع وطموحاته. وقس على ذلك مواقع أخرى، كموقع أسرة الأدباء والكتاب، وموقع اتحاد الأدباء العرب. وبعض هذه المواقع يرفق النص المعروض للقراءة بموسيقى خاصة كما هي الحال مع موقع «الامبراطور»، إلا أن النقص الكبير والحادّ يبقى ملحوظاً في مثل هذه المواقع المهمة. ولربما كان الأمر يتعلق في جانب كبير منه بمسألة التمويل المادي لتحقيق ذلك على شبكة الانترنت، هذا مع الالتفات إلى أن الحركة الشعرية العربية المعاصرة لم تتعلم وتستوعب الدرس جيداً من التيارات الإسلامية التي أدركت أهمية مثل ذلك، وستصاب - حتماً - بالذهول والإعجاب لمقدار الجهد المبذول من قبل تلك المواقع في تغطية هذا الجانب وتحقيق حال تواصلية مع أعداد لا تحصى من المتلقين.

في هذه اللحظة بالذات، نلتفت إلى مسئولية إدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام، في ضرورة أن تقوم بدراسة هذا الجانب عبر التنسيق مع المؤسسات الأدبية المختلفة في المملكة، وتبادر إلى تغطية هذا النقص لتظهر الحركة الشعرية البحرينية بأبهى صورها، ولتحقق انتشاراً أكبر بين عموم المتلقين العرب.

وهناك جانبٌ آخر ومهم جداً، ويتمثل في الغياب شبه الكلي للحركة الشعرية البحرينية عن القنوات التلفزيونية والإذاعية؛ إذ المفترض أن يبادر جهاز التلفزيون والإذاعة في متابعة هذا الجانب لسد النقص، ولتحقيق حال تواصلية متميزة للمبدع البحريني عبر أجياله المختلفة.

إنها مسئولية الجميع، مبدعين ومؤسسات وأجهزة رسمية... إلا أن مسئولية الأجهزة الرسمية مضاعفة في قبال مسئولية المبدع الفرد الذي يواجه عقبات كبيرة لا سبيل إلى تذليلها إلا بعناية واهتمام تلك الأجهزة. فهل تكون - في هذا الجانب - بحجم المسئولية الملقاة على عاتقها؟!... ذلك ما ستنبئنا به الأيام المقبلة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً