العدد 775 - الثلثاء 19 أكتوبر 2004م الموافق 05 رمضان 1425هـ

أخت الرجال

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

كانت امرأة لا يسمع لها حس، تؤمر فتطيع، وتُطالَب فتجيب، وتنادى فتلبي النداء من دون اعتراض أو تذمر أو حتى تأفف بسيط... زوجة مطيعة راضخة لإرادة زوجها يسيرها كيفما شاء... ولو طلب منها عبادة إله غير الله سبحانه وتعالى لخرت ساجدة إلى زوجها عارضة القربان طمعا في نيل رضاه وسماحة قلبه ولا داعي لبركاته!!

في المقابل كان هو مثالا للرجل بمعنى الكلمة المفقودة في هذا الزمن... حامي الحمى... خائض الغمرات... صاحب عقل وفطنة... ميزان عدل لا يبخس حق أحد... راعيا مسئولا عن رعيته... ذا شأن ومقام في بيته... كريما على أهل داره وأقربائه وجيرانه وكل من علم بحاجته إلى نعمة شاء الله أن يحرمه منها في الدنيا... هو صاحب الدار وكل ما فيها يجب أن يكون من ماله وجيبه فعيب عليه أخذ فلس أحمر من أحد وخصوصا زوجته التي ما عليها إلا تلبية حاجاته والقيام بمسئوليات بيته وعياله!

اليوم هي امرأة متعلمة تعليما عاليا، عاملة، تكسب قوت يومها بجدها وجهدها، تطالب بالمساواة دائما بالرجل، لا تسكت عن شيء تراه حقا من حقوقها سواء كان ذلك صدقا أم تلفيقا، يا ويل من يدوس لها على طرف ولو من دون قصد، أولادها تربية خدم، ناشطة سياسية وثقافية لم تبق جمعية نسائية إلا وسجلت فيها، الكلمة في البيت كلمتها، وزوجها طوع أمرها وإن تظاهر بغير ذلك!

اليوم هو بقايا رجل، خريج ثانوية عامة (بالدز)، يوم يعمل وعشرة لا، اشترط أن يرتبط بمدرسة لا لأنها قليلة الاختلاط بالرجال وكونه غيورا كثيرا على حرمته، بل لأن معاشها أعلى من معاشات الأخريات ممن اخترن مهنا في القطاع الخاص أو حتى الحكومي، خائبا كسولا جالسا في بيته، وكل ما استطاع المحافظة عليه من رجولته أن يأمر زوجته بالقيام بما عليه هو القيام به فالبيت بيتها ومعاشها أعلى من معاشه، إذاً عليها تدبير نفسها بنفسها حتى وإن اشتغلت سباكا في بيته!

اختلفت الموازين وتبادل الرجل والمرأة الأدوار حتى كدنا لا نميز بينهما إلا من حيث الخلقة التي خلقهما الله عليها فجعلتنا من نظرة فطرية نقول هذه امرأة وهذا رجل... والغريب أننا على رغم ذلك مازلنا - كما يقال - نعيش زمن الرجال!

والغريب أننا معشر النساء ما فتئنا نطالب بمساواتنا بالرجل في الحقوق والواجبات على رغم أننا سلبناه كل ما له وما عليه وجردناه حتى من المعنى الباطن للرجولة وتفضلنا عليه بالقشور، لا لشيء إلا لذر الرمال في العيون الحسودة فنقول إننا ارتبطنا برجل!

والأغرب من ذلك أن الرجل في زمننا ارتضى لنفسه أن يلقي الجمل بما حمل على زوجته أو ابنته أو حتى أمه لكنه بقي محتفظا بإرث الآمر الناهي في البيت والكلمة كلمته ليس لشيء إلا لكونه الرجل... والرجل في مجتمعنا الشرقي علا أو نزل، أعلن أو بطن، مازال سي السيد معشعشا في خلاياه إن أخفاه مدة لابد أن يعاود الظهور بين الفينة والأخرى ولو بشكل صوت يزلزل المكان ويهز المفاصل آمرا بشيء قد لا يتقبله العقل ويلفظه القلب والعين... فقط ليقول: أنا موجود... أنا هنا!

امرأة مثلها يقال عنها «أخت الرجال» نظرا إلى حجم المسئوليات التي تكبدت عناء حملها وهي من ذلك معفية، ولكني أخشى أن يتحول اللقب إلى «أخي الرجال» إذا ما جردت المرأة من أنوثتها كاملة أو ضيعتها جراء لهثها وراء المطالبة بحق حصلت عليه من حيث لا تدري، فنعيش حينها «زمن الرجال» بكل معنى الكلمة

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 775 - الثلثاء 19 أكتوبر 2004م الموافق 05 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً