العدد 774 - الإثنين 18 أكتوبر 2004م الموافق 04 رمضان 1425هـ

لماذا يجب أن ينتخب جون كيري؟

علي شرف comments [at] alwasatnews.com

آخر الاستطلاعات تشير إلى أن 49 في المئة من العرب الأميركيين سيصوتون لصالح كيري مقابل 31 في المئة لبوش، في حين يجري الحديث عن ان جورج بوش مريض عقلياً، كما ورد حديثاً في كتاب جوستين فرانكلين بعنوان «بوش على الأريكة: داخل عقل الرئيس». كما صدر في تصريح أخير للمرشح السابق للحزب الديمقراطي ليندون لاروش. وأتى ذلك التصريح قبل أيام من المناظرة بين المرشح الديمقراطي جون كيري والرئيس الحالي بوش، الذي وصفه التقرير على أنه مدمن كحولي ويعاني من عوارض مزمنة. وكان واضحاً ان كيري كان مسيطراً على الحوار، بينما أظهر بوش حركات غريبة على وجهه وهو يستمع الى كيري. وهناك ثلاثة أنواع من الجنون تسيطر على الولايات المتحدة اليوم وهي: وضع بوش العقلي، أي مرضه العقلي؛ جنون المتطرفين المسيحيين الذين يمثلون غالبية ناخبي بوش وتشيني؛ وجنون المؤمنين بالتجارة الحرة والعولمة. وهذه هي الجانب الظاهر من الأزمات التي تهدد ليس فقط الولايات المتحدة بل العالم بأسره، إذ يهدد الخطر حياة الأجيال القادمة. حال ذلك الرئيس المختل عقلياً حال سيئة جداً، وهي قضية أشارت إليها صحف عدة في الولايات المتحدة.

وفي كتاب جوستين فرانك، أحد أبرز اختصاصي التحليل النفسي ويعمل أستاذا في المركز الطبي لجامعة جورج واشنطن، يقدم دليلا قاطعاً بأن بوش بحاجة إلى مساعدة طبية. ويستنتج في تحليله الطبي الممتد في 219 صفحة لحال بوش العقلية، أنه يعاني من مجموعة من الاضطرابات العقلية التي تم تشخيصها. مستقبل الولايات المتحدة والعالم سيتم تحديده عن طريق نتيجة انتخابات الرئاسة القادمة.

التطرف المسيحي المجنون

إن التطرف المسيحي في الولايات المتحدة يمثل خطراً استراتيجياً على العالم ككل، لأن أولئك المتطرفين يعتقدون بأن قدوم المسيح سيأتي بحلول ما يسمى معركة «هرماجدون». فإنهم إذا عجلوا الحروب في الشرق الاوسط وساعدوا اليهود لان يرجعوا كلهم الى «إسرائيل» ويبنوا «الهيكل» المزعوم فستنشب حرب شاملة بين اليهود وأعداء «إسرائيل»، حينها تقع معركة الهرماجدون. بعد ذلك سيرجع المسيح الى الأرض لينجي ما تبقى من اليهود ويحولهم الى مسيحيين. ومن الضروري إدراك أن هذه ليست من الديانة المسيحية في شيء، ليست لأسباب واختلافات مذهبية بل لأنها فعلا ليست مسيحية، لأن المسيحية دين محبة.

لا يمكنك أن تحاول إيجاد أصناف من الكراهية ضد بني البشر! إذا كنت تكره شريحة ما من البشر فإنك لست مسيحيا. هذه هي النقطة التي شدد عليها أفلاطون في حوار «الجمهورية» إذ يقوم هناك، من خلال صوت سقراط، بإدانة ثراسيماخوس النموذج التاريخي لنائب الرئيس ديك تشيني.

ماذا يعني ذلك؟ الناس يدرسون كتعاليم دينية، لكن هل يعلمون ماذا يعني ذلك سياسياً؟ هل هذا مجرد شيء موجود داخل الكنيسة أم هو شيء يفهمونه حقاً؟ ماذا يعني ذلك سياسيا؟ هذا يعني أن الإنسان قادر على اكتشاف المبادئ العظيمة التي تحدد نظام خلق الكون، والتي تأتي في صورة اكتشافات علمية فيزيائية.

الكوكب ككل يصير ليس فقط كوكباً حياً فحسب بانتشار العمليات الحية أكثر فأكثر، بل يصير امتدادا لتلك القدرات العقلية الخلاقة الفريدة المرتبطة بالعنصر البشري. وحياة الإنسان الفرد مقدسة، يجب حمايتها وتطويرها.

أما نوع الشر الذي نراه في العنصرية وغيرها من الممارسات فإنه برهان على توجه معادٍ للمسيحية. ولدينا مثال على ذلك التوجه المعادي للمسيحية في محاكم التفتيش الإسبانية. بحسب علمي فإن البابا يوحنا الثالث والعشرين بكى عندما قرأ تفاصيل ما جرى في محاكم التفتيش. والكاتب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي الذي يصور في روايته «الأخوة كارامازوف»، شخصية رئيس محاكم التفتيش، توماس توركومادا، باعتبارها الشيطان الذي يقول «لقد انتصرت عليك أيها المسيح مرة، وسأنتصر عليك مرة أخرى وإلى الأبد الآن».

إنها صورة شيطانية صرفة، مثلما هي الحال مع صورة المتطرفين البروتستانت الذين يقولون إن الله يحبكم لأنكم مجرد قاذورات!

المتطرفون دينيا نوع من الناس الذين يقولون إنهم وقعوا عقداً مع الله! وانهم الآن يريدون حصتهم، وان لم يستجب الله لدعوتهم فسيحاولون ان يسرعوا العملية بإشعال الحرب ليحصلوا على ما يريدونه أن يحصل. المشكلة اليوم هي أن هذا النوع من الناس أصحاب هذه الطريقة من التفكير ليسوا أشخاصاً في حركة باطنية، بل هم أعضاء في الحكومة الأميركية، ومن أعضاء الكونغرس وجنرالات في البنتاغون وفوقهم وزير العدل جون آشكروفت ورئيس الولايات المتحدة جورج بوش نفسه.

جنون التجارة الحرة

النوع الثالث من الجنون هو كما سماه لاروش التجارة الحرة، أي أن هذا ما هو مسيطر اليوم في العالم، فالكل يدافع عن التجارة الحرة وكأنهم يدافعون عن حقٍ مسلوب. لكن انظر الى الاقتصاد العالمي اليوم، إنه في انهيار تام: كل مؤسسة مصرفية في أوروبا وأميركا اليوم مفلسة تماماً. إن على كيري ان يحذر من هذا الشيء ولا يجلب هذا النوع من الجنون الى إدارته. وقد وضح لاروش ان هناك جماعة من الساسة في الولايات المتحدة اليوم وهم من الأفضل في صناعة السياسة اليوم في العالم، هؤلاء باستطاعتهم، لو جُمِعوا معاً، أن يكونوا العامل الذي سينجح كيري في انتخابه ولاحقاً، فإذا كان كيري يريد ذلك فعليه ان يدخل هؤلاء في حكومته كمستشارين. لأن أعضاء المجتمع المالي هم في حال جنون اليوم.

ما حصل خلال الفترة من 1971 - 1972 هو ان نظام البرتون وودز كما وضعه فرانكلين روزفلت في العام 1944 المؤسس على أساس النظام الاميركي للاقتصاد السياسي، مكّن الولايات المتحدة من ان تأخذ نظام العالم الاقتصادي المدمر وإعادة تنظيمه، واستمر ذلك إلى اكثر من عقدين بعد الحرب العالمية الثانية. لكن في أغسطس/ آب 1971 قام الرئيس الاميركي السابق نيكسون، تحت تأثير هنري كسينجر وجورج شولتز، بتحطيم ذلك النظام. ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم والولايات المتحدة في هبوط وانحدار شديد.

ما حصل للولايات المتحدة في تلك الفترة هو ما حصل في أوروبا خلال الفترة من 1922 حتى 1945 إذ تم احتلالها خطوة فخطوة من قبل الفاشية العالمية، ابتداء من تنصيب موسوليني في قيادة إيطاليا من قبل المصرفي الأوليجاركي من مدينة البندقية فولبي دي ميسوراتا، وانتهاء بهتلر النازي العام 1945.

مات الرئيس فرانكلن روزفيلت في آخر شهور الحرب العالمية الثانية العام 1945، وعند انتهاء الحرب العالمية الثانية انزلقت اميركا إلى منعطف يميني تحت حكم هاري ترومان، مضاد لكل شيء ناضل من أجله فرانكلين روزفلت. وكثيرٌ من النازيين الذين عملوا تحت هتلر استقطبتهم إلى الأجهزة الاستخبارية الغربية والاميركية.

لكن في الولايات المتحدة وأوروبا وجدت ميول نحو الفاشية منذ أمد طويل، إذ ان الذين موّلوا هتلر وتستّرت عليهم حكومة ترومان، ويشمل أولئك أسماء أسر مصرفية مثل هاريمان ومورغان ودوبون وميلون وغيرهم، هؤلاء هم الذين كانوا وراء محاولة انقلاب ضد الحكومة الأميركية وروزفلت في العام 1934. هذا النوع من الميول الفاشية تأتي بعد الانهيار الاقتصادي كما يأتي الوباء بعد الزلزال. أو كما يقول لاروش «ليبراليو يوم الأحد يصبحون فاشيي يوم (الاثنين)».

انهيار الارجنتين

اليوم وصلنا إلى مرحلة إدراك أن النظام المالي والنقدي الحالي وصل إلى مرحلة الانهيار، وكل دولة ومصرف في الغرب اليوم مفلس. الارجنتين كان لديها رابع أحسن مستوى معيشي في العالم في فترة ما بعد الحرب، ولكن الارجنتينيين يعيشون الآن من القمامة. لماذا؟ الجواب يكمن في نظرتنا الى ما حصل من 1971، أي ما أدخله نيكسون من سياسات أدت الى نظام المضاربة بالعملات، أو ما يسمى بنظام العملة العائمة. فالذي يحصل اليوم هو ان صندوق النقد الدولي عبر المتحدثة باسم المؤسسة آن كروغر، يضغط على الارجنتين ويفرض سياسات نازية على هذا الشعب لدفع القروض وفوائدها التي قامت الأرجنتين في الواقع بإعادتها مرات مضاعفة اكثر من ست مرات.

اليوم سيفعلون الشيء نفسه للشعب الأميركي تحت إدارة بوش، فما بالك الشعوب العربية وشعوب العالم الثالث عامة؟ ما يحصل في الارجنتين اليوم سيحصل في الولايات المتحدة غداً اذا لم يترك الشعب الأميركي تلك الخرافات التي يتمسك بها وهي التجارة الحرة. فالمدافعون عن هذا الجنون المسمى بالتجارة الحرة هم أولاً لا يعرفون عواقب هذا الطريق الذين يمشون فيه.

إننا وصلنا إلى نقطة إذ إن تغاضي كيري وادواردز عن موضوع الاقتصاد من جانب الحزب الديمقراطي يصبح غير مقبول إطلاقاً، لأن اميركا وبقية العالم سيقعون ضحايا لصندوق النقد الدولي كما هي حال الارجنتين.

ماذا يحدث إذن حينما ينهار نظام مثل هذا؟ إن تاريخ النظام الليبرالي الانجلو - هولندي أو المدعو باسم «التجارة الحرة» منذ ان اصبح قوة مهيمنة خلال الفترة ما بين 1688 حتى 1763، أخذت الدوامة تدور بشكل متكرر وذلك يشمل دكتاتورية نابليون في أوروبا وغيرها. ما يحصل هو انه يتم تطبيق الليبرالية لفترة من الزمن ويصبح ذلك النظام غنياً، وبعدها يصل الى درجة من الغنى، وبعدما يقع الانهيار، ويطرح السؤال: «من سيدفع القروض الضخمة التي من المستحيل دفعها؟» وفجأة تتحول الليبرالية إلى فاشية، فيبدأون تجويع الناس بدل إنقاذهم من أجل ان يدفعوا الديون التي عليهم. وهذا ما حدث بالذات في 1922 مع موسوليني، وفي معاهدة فيرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ إن مجموعة ما تسمى بالسيناركية العالمية ومجموعة أصحاب مصارف خاصة يسيطرون أيضاً على اكثر المصارف المركزية، كانوا وراء الانظمة الفاشية في اوروبا. اول اختيار لاحد السناركيين باسم «فولبي دي ميسوراتا»، من كبار المصرفيين الأوليجاركيين من البندقية والذي تسيطر عليه بريطانيا، اختار موسوليني ووضعه في الحكم.

وهذا هو الخطر الذي نواجهه اليوم: فاشية عالمية. ان الشعب العربي والاسلامي يجب ان يفهم ان الاشياء كلها ليست من نوع واحد، فلتقييم الأشياء المختلفة نحتاج للنظر بتعمق في طبيعة العلة، كما أن التاريخ لا يحتاج أن يعيد نفسه. الفرق بين كيري وبوش هو ان بوش مريض عقلياً ويعتقد ان عنده مهمة من الله. وكيري ليس رجلاً غبياً على أقل تقدير. ما هو مفيد للعالم ولجون كيري هو ان العالم مقبل على انهيار اقتصادي ومالي شامل، وطبيعة الازمات ستكون مرعبة، فعلينا ان نكون شجعاناً ونضع في يدي كيري مسئولية لا يعرف هو قدرها بعد، ولكن الأزمات ستكون لنا ضماناً بأن لا شيء سيبقى على حاله. هذا هو ضمان الاميركيين والعالم على حد سواء، لانه إذا ذهبت أقوى دولة في العالم إلى منعطف الفاشية فلن يكون للعالم هذا بقاء.

شاب عربي من حركة لاروش الشبابية العالمية

إقرأ أيضا لـ "علي شرف"

العدد 774 - الإثنين 18 أكتوبر 2004م الموافق 04 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً