زار البحرين الاسبوع الماضي رئيس الوزراء الايرلندي بيرتي أهيرن ووددت لو أن زيارته كانت ذات أهداف متعددة وليس فقط افتتاح الجامعة الطبية وبعض المداولات الرسمية. فهذ البلد الأوروبي يعتبر نموذجاً للأمم التي تستطيع أن تغير نفسها وتبدل وجهات النظر عنها.
مجلة «الايكونومست» تقول انها كتبت تحقيقاً عن ايرلندا العام 1988 وصفتها «بأفقر الأغنياء» تعبيراَ عن وضعها المأسوي الذي كانت تعيشه. ولكنها - اي الايكونومست - كتبت في 1997 لتقول عن ايرلندا «ضوء أوروبا الساطع» وتكتب في العام 2004 لتصفها بـ «نمر أوروبا»... لأنها اثبتت أنها كـ «النمر» الذي لا يتعب والنمر الذي يغير نفسه من «فقير» يقل مستوى المعيشة فيه بمقدار 31 في المئة على المتوسط الأوروبي في العام 1987، إلى «غني» يزيد مستوى المعيشة فيه بمقدار 36 في المئة عن متوسط المعيشة الأوروبي العام 2003 (زيادة في مستوى المعيشة خلال نحو 15 عاما تقدر بـ 67 في المئة). اي ان هذا البلد تحوّل من أفقر دول أوروبا الغربية إلى واحد من أغنى الدول الأوروبية ... وانخفض معدل البطالة من 17 في المئة 1987، إلى 4 في المئة العام 2003 ... وانخفضت المديونية العامة من 112 في المئة من الناتج القومي في 1987، إلى 33 في المئة في 2003.
اذكر عندما كنت في بريطانيا كان عمال البناء تقريباً جميعهم ايرلنديون وكانوا يمثلون الايدي الرخيصة في بريطانيا، وكان لنا أصدقاء منهم نتصل بهم وهم يتسارعون لتنفيذ ما نطلبه منهم، تماماً كما هو حال العمال الآسيويين في البحرين. ولكن مع نهاية التسعينات انقطعت أخبارهم الواحد تلو الآخر، وكلما سألنا عن أحدهم قيل لنا انه عاد إلى ايرلندا إذ الأعمال متوافرة في بلادهم بأجور أفضل مما هي عليه في بريطانيا.
وتدرج «الايكونومست» عدة أسباب لحدوث «المعجزة الايرلندية» منها «اتفاق الحكومة مع المعارضة» على مساندة حزمة قوانين اقتصادية استهدفت تقليل النفقات العامة، وتقليل الضرائب وتقليل المديونية العامة، ما أدى إلى انخفاض معدل الفائدة وهذا سهل على ايرلندا الاستفادة من دخولها العام 1999 في تنفيذ مشروع العملة الأوروبية الموحدة «اليورو».
والعامل الآخر هو أن الحكومة تفاوضت مع النقابات واستطاعت اقناعها بتقليل مطالبها برفع الأجور وفي المقابل تحصل النقابات على دور في صوغ السياسات.
وعامل آخر هو أن ايرلندا من الدول التي سارعت في تنفيذ كامل متطلبات السوق الأوروبية الموحدة في الوقت الذي كانت دول أخرى تماطل في تنفيذ القوانين الأوروبية الجديدة التي توحد السوق في كل الجوانب، وهذا سهل انسياب الاستثمارات على ايرلندا.
والأمر الآخر أن ايرلندا استطاعت اجتذاب الاستثمارات الأجنبية (وليس الأوروبية فقط) في القطاعات عالية القيمة، ولديها الآن تصنيع في أجهزة الحاسوب والمعدات الرقمية بالاضافة للأجهزة الدقيقة.
أما التعليم فقد كان متطوراً نوعاً ما في ايرلندا، ولكنها وجهت التعليم نحو القطاعات ذات القيمة العالية مثل تقنية المعلومات والصيدلة والرعاية الصحية وغيرها.
والأهم من ذلك انها طورت سوق العمل بعد أن كانت المرأة الايرلندية ليست في السوق بالدرجة المطلوبة، وأصبحت الأن عالية التدريب وتسهم بصورة مباشرة في دفع عجلة التنمية. ومع دخول المرأة ازدادت الانتاجية وارتفع مستوى المعيشة وانخفضت البطالة من 17 في المئة العام 1987 إلى 4 في المئة العام 2003.
دروس كثيرة حري بنا أن نستفيد منها ونحن نتداول الافكار التي طرحها مجلس التنمية الاقتصادية (برئاسة سمو ولي العهد) واقترح من خلالها حزمة سياسات لحل مشكلات سوق العمل البحرينية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 774 - الإثنين 18 أكتوبر 2004م الموافق 04 رمضان 1425هـ