«لم يكن كلام أبي المتعجرف صحيحا كما توقعت تماما. لم يكن هناك طوب وراء الباب الخرافي. على النقيض تماما، فقدت وجدت عالما مضيئا، جميلا، وكنت أكلم الباب كما لو أنني أكلم انسانا عاقلا. كان الباب يكلمني بصوت جدي عن الحب، وتحقق المستحيل، وامرأة لا تنتمي إلى هذا الزمان... تلك كانت جدتي التي مسكتني من يدي لتأخذني الى جدي المستاء من استعمار العمالة الآسيوية للبراحة. كان ينتظرني في حجرته القمرية لنتكلم بحرية مطلقة عن الحلم... وأبي المتعجرف... والبواب التي ظلت مثله... عنيدة... وأبية دائما».
كانت تلك فقرة من قصة ضمن مجموعة القصص الموسومة بـ «رائحة الليل» للقصاص جمال الخياط. وهي تشير اشارة واضحة الى توجهه الأخير ناحية الحكاية وهو يؤكد هنا ما جاء على لسانه في احدى الصحف البحرينية قبل أعوام من أنه سيعود ليكتب القصة كقصة بعيدا عن أي تأويل آخر. وتلك كلمة تستحق الوقوف لأنها لا تعني القصاص جمال الخياط فقط بل تعني كتابا وأدباء عالميين آخرين اختاروا كتابة القصة من أجل القصة لا غير. فلم يكن مستغربا من كاتب له حضوره الكبير مثل «ماركيز» أن يقول في احدى المجلات الأجنبية إنه عاد ليكتب القصة من أجل الحكي وأن هذا الأمر امتـعه كثيرا. ولا نعلم حقيقة ما سر هذا التوجه الأخير ربما يكون مرجع ذلك الى أن الكثير من أفكار وطرق التعبير تم استنفاذها أو لم تعد ذات جدوى وربما يجد القصاص البحريني نفسه في دوامة عندما يحاول تقليد طرق السرد الجديدة بينما القارئ هنا في البحرين لا يمكنه التفاعل معها فهو لا يستسيغها.
ولكن المؤكد أن جمال الخياط في مجموعته الجديدة كان محقا في توجهه هذا فتلك الشخصيات النابضة بالحياة والتي حوتها دفة كتابه الجديد لم تكن لتحتمل غير الحكاية التي برع فيها فجلاها صورة حية فرأينا فرحان وهو يعدو الى الخمسين من عمره وهو في نشوة حلمه الجميل ورأينا الحاج جاسم وحيرته أمام المعجزات وفتحنا صندوق الحكايات مع الخياط ورأينا الأيام الأخيرة لبائع الكيروسين، وتلمسنا تضاريس الفتى الأسمر، وسمعنا نغمات غير موسيقية وشاهدنا القرمزي الباهت جدا والأخضر اليابس وشممنا رائحة الليل وأسرار حكاياته الجميلة
