توقع تقرير لوكالة المخابرات المركزية الاميركية، أن يقل اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج إذ: «ان منطقة الخليج ستواصل الاحتفاظ بأهميتها كأهم مصدر للنفط العالمي، الا أن سوق الطاقة قد يلجأ لأسلوبين في التوزيع: الأول يوفر حاجة كبار المستهلكين (بمن فيهم اميركا) من احتياطيات حوض الأطلسي، والثاني يوفر بدرجة رئيسية حاجة السوق الآسيوية (وخصوصاً الصين والهند) من نفط الخليج، والى حد ما أقل أهمية من منطقة قزوين ووسط آسيا». ويتوقع التقرير أن «تتأثر قدرة الأنظمة المستبدة في المحافظة على سيطرتها» لكون الولايات المتحدة تفكّر جدياً التخلي عن هذه المنطقة التي أدخلتها إلى صومعة صراع هو أكثر وعورة من أدغال فيتنام! فالنفط بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هو الذي سيحسم بقاءها هنا للدفاع عن «الديمقراطية» و«حقوق المرأة» أو «تمكينها» من شيء ما!
وهناك تحديات ثلاثة يحددها الجهاز المخابري بالنسبة إلى الولايات المتحدة وهي أولاً: «التحديات غير المباشرة التي سيشكلها تجنب خصوم الولايات المتحدة الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة معها. فهؤلاء سيلجأون لأساليب متطورة للحد من النفوذ الأميركي وكشف مواطن ضعفه»؛ التحدي الثاني يتمثل في الصواريخ ذات الرؤوس الحربية التي ستحتفظ بها كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية على الأرجح، وربما ايران والعراق، والتي ستشكل تهديداً للولايات المتحدة، وخصوصاً اذا ما وصلت هذه الأسلحة لأيدي المجموعات التي لا تنتمي لبلد معين؛ التحدي الثالث يتمثل بالقوة العسكرية التي ستواصل بعض الدول الاحتفاظ بها جنبا الى جنب مع مفاهيم وتقنيات الحرب الباردة وما بعدها.
ويشير التقرير الى احتمال ظهور بوادر نزاع في آسيا والشرق الأوسط، كما يتوقع أن تتواصل النزاعات الداخلية لأسباب دينية أو عرقية أو اقتصادية أو سياسية. وها نحن نرى بوادر إحدى توقعات التقرير المتعلقة بالنفط، إذ ارتفع معدل الاستهلاك إلى 75 مليون برميل يومياً أو مئة مليون برميل، وهي زيادة تساوي تقريبا اجمالي الناتج الحالي للدول الأعضاء في منظمة أوبك. إلى جانب ذلك يتوقع التقرير أن تشهد منطقة الخليج في حال حدوث حرب ارتفاعا كبيرا في مستوى انتاج النفط، وأن تحتل أهمية أكبر في سوق الطاقة العالمي. كما يتوقع أن تمثل النزاعات المحتملة مستقبلاً، تهديداً متواصلاً للاستقرار في أنحاء العالم. فالحروب الداخلية قد تتحول الى حروب مدمرة نظراً لتوفر تقنيات حديثة. كما يعتبر التقرير أن ظاهرة الارهاب الدولي قد تعثر على ضالتها المنشودة في الدول التي تعاني من مشكلات اقتصادية أو عرقية أو دينية أو حدودية، ويشير إلى أن العراق «قد يجري تجارب نووية مثيرة»، من دون أن يشير إلى من سيجريها.
مساعدات إسرائيلية
يشار إلى أن هذا الجهاز المخابري الشهير تم اختراقه من ألد أعدائنا وأعداء الإنسانية الدولة العنصرية التي تم صنعها قسراً في كبد الأمة، وهذه الدولة لا تملك واحداً في المئة مما نملكه من إمكانات أو ما تملكه الدولة المخترقة أو حتى الجهاز الشهير المخترق! جهاز مخابرات هذه الدولة المصطنعة «الموساد». عارٌ عليكِ يا أميركا كبير. لنقرأ هذا معاً: ذكرت صحيفة «الجارديان Guardian» اللندنية ان القوات الاميركية في العراق تستعين حالياً بقوات خاصة اسرائيلية وبخبراء من الموساد، لتدريب قواتها في عمليات تعقب المقاومة العراقية واغتيال افرادها والتدريب على المداهمات وتجريف الحقول والمحاصيل وردم الآبار الارتوازية، وذلك لتجويع عائلات واطفال المقاومين كعقاب جماعي.
والاميركان يستعينون بالصهاينة لان للصهاينة خبرة قديمة في ملاحقتهم للمقاومة الفلسطينية. وفعلاً ظهرت في سلوكيات الاميركان في العراق في الاسابيع الأخيرة ما يفيد بأوجه شبه كبيرة مع سلوك الصهاينة في فلسطين المحتلة، «نسف البيوت عقاب جماعي تجريف الحقول والمحاصيل اعتقال النساء والاطفال رهائن للضغط على آبائهم المقاومين، وغير ذلك من المسالك التي لم تكن ظاهرة في تعامل القوات الاميركية مع الجمهور العراقي خلال الشهور الاولى من الاحتلال».
مصدر آخر يحذرنا مما هو قادم، في رسالة من داخل العراق: حذّر تركمان العراق خلال احتفال اقيم في مدينة كركوك بالذكرى السنوية السابعة لتأسيس «الجبهة التركمانية العراقية» من محاولات تهميشهم، مؤكدين انهم من التركيبة الاساسية في البلاد. وشدد رئيس الجبهة وعضو المجلس الوطني الموقت، فاروق عبدالله عبدالرحمن ان احتفالهم يشكّل محاولة لتوجيه رسالة الى كل من يحاول تهميش وجودنا (التركمان) في العراق، وتأكيد اننا جزء من تركيبة البلاد الاساسية. واضاف ان «احتفال هذا العام يأتي تأكيداً على اهمية اعتبار كركوك مدينة للجميع» وتأتي هذه التصريحات من رئيس الجبهة على خلفية تظاهرات كردية في كركوك طالبوا فيها بفصل اقليم كردستان عن الدولة المركزية واتخاذ كركوك عاصمة لـ «دولة كردستان الكبرى».
وجاء في كتاب «دولة النجف» الذي يصوغ الكاتب فيه منهجه الثوري ليؤكد العزم القاطع على قيام «دولة النجف» «ويتكون علمها من ثلاثة ألوان الاخضر الاحمر الابيض، وعليه 14 نجمة باللون الاسود، ويحدد عيدها الوطني بتاريخ دخول امير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الكوفة واتخاذها عاصمة للخلافة»، وهي دولة ستكون ذات سيادة «بشعبها العربي العراقي، وبسكانها الذين لهم حق المواطنة، ومفتوحة لجميع الأقوام والاجناس، ولغتها الاساسية اللغة العربية والمساعدة اللغة الانجليزية، وديانتها الاسلامية ومذهبها الشيعي. وبادارة 10,000 موظف، وهي ذات حدود معلومة: النجف التاريخية، ويرأسها المرجع الأعلى للطائفة الشيعية، وتعتمد ميزانيتها على سياحتها الدينية وطريق الحج البري والحقوق الشرعية وضرائب الدفن والاوقاف الشيعية وما تحصل عليه من واردات من خلال ممتلكاتها الخاصة المتمثلة بجميع العتبات المقدسة والمساجد المعروفة بتابعيتها الشيعية.
وسيسك لها نقدها الخاص، وتطبع لها طوابعها البريدية الخاصة، ويكون لها جهازها الاعلامي من مرئي ومسموع ومقروء وبلغات مختلفة. وسيتم انشاء ابنية خاصة وبمواصفات حديثة وبعمارة اسلامية، تكون مقراً لادارة الدولة من قبل المرجع الذي يمارس جميع صلاحياته الممنوحة له وفق الدستور الشيعي وبيده السلطات التنفيذية والقضائية ومستشارون في مختلف الاختصاصات. وستكون هذه الدولة منزوعة السلاح وتشكل مؤسساتها الاقتصادية والثقافية باشكالها وانواعها المختلفة وفق دراسات تحدد طبيعتها ومهامها. وتتمثل سياسة هذه الدولة بالحياد والارشاد، ومساعدة الآخرين في الاصلاح والسلام والحرية، وتتشكل هيكلية الدولة كالتالي: المرجع الأعلى، مجلس النواب، مجلس الشورى المرجعي، المجلس الفقهي، مجلس الفضلاء، أعيان الشيعة». تكوين هذه الدولة لن يأتي هكذا برداً وسلاماً، لابد وإنه سيمر عبر مخاض مؤلم جداً.
فوهة البركان وإنهاء الاحتلال
من جانب آخر حذر الرئيس السوري بشار الأسد، في خطاب له العرب جميعاً قائلاً: «اننا جميعاً نقف على فوهة بركان ستأخذنا جميعا معها». وهو في هذا الخطاب يرد على الأصوات التي ترى في الوجود السوري في لبنان تدخلاً سافراً في شئون الدولة الداخلية. وهذا التحذير يجب أن يؤخذ على مأخذ الجد حين يصدر من رئيس دولة وبهذه الصراحة لا مواربة سياسية فيه.
وجاء عن محمد حسين الحكيم، نجل المرجع محمد سعيد الحكيم، ان «الفتن المتلاحقة التي حلت بالمؤمنين وبأهل هذا البلد من القتل والتشريد والاعاقة حتى شمل النساء والاطفال في همجية يندى لها الجبين، انما جاءت امتدادا لجرائم النظام السابق». وان «لا احد شريفاً في العالم يقبل بالاحتلال وبالتالي لابد من العمل على انهائه، فإن نقل السيادة ليس كافياً. نريد العراق خالياً من أي وجود أجنبي، خالياً من القوات الاجنبية المسلحة. نريد هذا وهذا ما تريده المرجعية». وتابع الحكيم: «نريد ان يكون اختيار الحكومة عن طريق الانتخابات. يجب ان يرفض اي حكم لا يقوم على هذا المبدأ لأنه من خلاله يمكن أن نشعر بالامان والا سيأتي شخص ليتسلط علينا».
ويبدو أن بعض الدول العربية وعلى رأسها «الجماهيرية» لن تترك العراق وشأنه، فقد جاء في تصريح غير مريح لوزير الداخلية العراقي قال فيه: «اتهم وزير الدفاع العراقي حازم الشعلان ليبيا أمس بـ «التورط» في «العمليات الارهابية» في العراق وذلك بتقديم الدعم المالي لفلول النظام السابق. وقال الشعلان في حديث لـ «الشرق الاوسط» عبر الهاتف: «بحوزتنا وثائق وادلة تثبت دعم ليبيا لبقايا النظام السابق والمتمثل في سبعاوي ابراهيم الاخ غير الشقيق للرئيس المخلوع صدام حسين ومحمد يونس الأحمد، عضو المكتب العسكري السابق التابع لحزب البعث، حيث قامت ليبيا بتقديم الاموال لهما من أجل دعم عملياتهما الارهابية في العراق».
وحذر صالح القلاب (وزير دولة أردني) قائلاً: «سيكون العام المقبل عاماً مأسوياً وكارثياً، إذا لم يدرك العرب أن عالم ما قبل الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول يختلف عن عالم ما بعده، وأنه لابد من التلاؤم مع الوضع العالمي الجديد والمعادلة الدولية الجديدة وهذا ينطبق وبالمقدار ذاته وأكثر على العراق وعلى دول عربية أخرى لا ضرورة لتسميتها لاتزال تتحدث لغة الماضي ولاتزال تستخدم مفردات الحرب الباردة».
وكتب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، وهو كاتب له وزنه المادي والمعنوي: «الموقف في العراق يقترب بسرعة من نقطة اللاعودة، وإن هناك 115 ألفاً من جنودنا يخوضون حرباً في العراق ويموتون بمعدل شخص واحد كل يوم؟». وشدد على ان «الخطأ الأكبر الذي وقع فيه المحافظون الجدد وهذه الحكومة هو التفكير بأن الولايات المتحدة قادرة على خوض هذه الحرب لوحدها. نحن لم يكن بإمكاننا أن نربح الحرب الباردة من دون حلفاء ديمقراطيين في الخارج ومن دون تضحيات حقيقية في داخل الولايات المتحدة ونحن لا يمكننا الانتصار في هذه الحرب من دون الجانبين. إنها حرب أفكار ضخمة وطويلة الأمد نحن بحاجة إلى كسب الشعب الأميركي وحلفائنا لصالحها. لكن هذه الإدارة لم تتوصل أبداً إلى هذا الاستنتاج». وهذا جاء على لسان (جورج باكر من مجلة «الانيويوركر») «نحن بحاجة إلى كسب حلفائنا وضمنهم فرنسا وألمانيا والأمم المتحدة في هذا الصراع المهول». (توماس فريدمان) وهذا يبدو بعيد المنال.
ختاماً وبعد أن أوردنا ما أوردنا نقول لأنفسنا قبل أن نقول لكم ولكل العالم قول العرب الشهير: «هذا يوم له ما بعده» والمستقبل يجتاحنا.
ونترككم مع قول وبيت من قصيدة لصدام حسين، أو لكاتبها، القول يأتي على هذه الصورة: «كونوا حذرين، اذا ما تخلصتم مني فستحتاجون الى سبعة رؤساء لحكم العراق». هذا القول قاله صدام حسين للشعب العراقي، وبيت الشعر جاء في قصيدة له يقول:
أنتـم أسـارى عاجـلا أو آجـلاً مثلـي، وقـد تتـشابه الأسـبابُ
فقط صدام عرف كيف يسيطر بمخابراته على الأمة ويحفظ جسده الثمين في «غار».
في مقال سابق لنا بعنوان «نار جهنم: العراق القادم» نشرته «الوسط» حذرنا من أن الحرب التي يخوضها العراق هي حرب ضروس وهي تشبه النار التي تأكل ما يرمى فيها غير أننا هنا نصف القادم بـ «الجحيم»، وهو أكبر وأخطر من جحيم دانتي، إذ إنه لا يوصف ولا يمكن تحديد مدته وقد يكون خلوداً. الجحيم القادم هو الخلود بعينه إذ ستدخل المنطقة في حرب لا يعرف مداها إلا الله وهي جحيم سيأكل الأخضر واليابس. هل نحن على أتم الاستعداد للبس الاقنعة وتغليف النوافذ وتخزين الطعام وحماية فلذات الأكباد؟
لقد أسمعت لوناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ