تناولنا في الحلقة الأولى التبعات المترتبة عندما تفقد الدولة بوصلة التخطيط الاقتصادي، والأمر ذاته ينطبق على المعارضة وخصوصا عندما تجرد المعارضة نفسها من أسلحتها الهجومية وتبقى، بوعي أو من دون وعي، تراوح عند مواقع ردود الفعل الدفاعية اولا ومن دون بوصلة ترشدها في طريق إبحارها نحو اهدافها وخططها ثانيا.
يقع على عاتق المعارضة القدر ذاته من المسئولية الذي تتحمله الدولة. فمن صلب مهمات المعارضة أن تنظر للأمام ونحو المستقبل، وهي لن تكون كذلك ما لم تمتلك الرؤية الصحيحة أولا والأدوات الملائمة ثانيا.
ولو أخذنا ما طرحته ورقة عمل «تحرير سوق العمل» التي قدمتها الشركة الاستشارية ماكينزي مثالا على ذلك، فإننا سنفاجأ بأنه بخلاف بعض ما تناولته بعض المقالات والأعمدة والتصريحات التي نشرتها او بثتها وسائل الإعلام، ليست هناك دراسة متكاملة رصينة تأخذ إيجابيات ما ورد في تلك الدراسة وتثبتها وتلقي الضوء على السلبيات والمثالب وتناضل من أجل إلغائها أو تجميد تنفيذها إلى حين التوصل إلى قرار نهائي بشأنها. ولن يسعنا في هذا الاتجاه سوى الإشادة بما سمعناه عن طلب تقدمت به غرفة وتجارة صناعة البحرين من أجل إعطائها فرصة للرد بشكل علمي من خلال كلفة إحدى الشركات الاستشارية. وهذا بلا شك ينقل قطاع رجال الأعمال من خانات الصمت التي يحلو للبعض أن يحاصرهم فيها إلى مواقع ردود الفعل الإيجابية المبنية على خطوات علمية مدروسة، لكن إلى جانب الغرفة هناك الجمعيات السياسية وكذلك السلطة التشريعية بحجرتيها إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، فجميعها مطالبة بالانخراط في عملية المشاركة في الحوار الدائر حول أين تتجه سفينة التخطيط الاقتصادي لمستقبل البحرين خلال العقد المقبل.
لا يكفي أن نمارس دور المعارضة من اجل المعارضة ذاتها، ذلك أن الانعكاسات السلبية ذاتها - التي سيعاني منها الاقتصاد البحريني عندما تفقد الدولة بوصلتها والتي اشرنا لها في الحلقة الأولى - سنجدها عندما تفقد المعارضة تلك البوصلة أو ربما عندما ترفض استخدامها لا لشيء سوى رغبة ذاتية في ممارسة دور الرفض المطلق بدلا من لعب دور المعارض الإيجابي، لكن لكي تمارس المعارضة هذا الدور ينبغي لها أن تمتلك الأدوات وأولها وأكثرها اهمية مركز للمعلومات والدراسات تكون مهمته الأساسية تزويد المعارضة بما تحتاجه من ملاحظات وانتقادات عن سياسات الدولة، وربما يتطور هذا الدور من الملاحظات إلى البدائل.
لذلك بالقدر الذي ندعو فيه الدولة إلى الإمساك بالبوصلة نحث المعارضة على أن تكون لها بوصلتها الخاصة بها. والقصد من وراء كل ذلك ألا نفقد البوصلة لكي لا نضل الطريق وتكون التبعات الاقتصادية باهظة ولن يتحمل كلفتها سوى المواطن
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ