الدراسة التي قدّمتها شركة ماكينزي، تشير إلى بطالة متوقعة تصل إلى 70 ألف عاطل عن العمل بعد عشر سنوات، ذلك إذا استمر التوظيف على المنوال الحاضر من حيث استحواذ الأجانب على الحظ الأوفر من الوظائف التي تتوافر في سوق العمل. والحقيقة، أن الكثير من التقارير الدولية، أشارت إلى بطالة بين المواطنين وصلت للمعدل العالمي، وهو 15 في المئة من القوى القادرة على العمل، محرومة من العمل. ولكن كيف تريد الحكومة حل هذه المعضلة؟
المقدمة تقول: إن أصحاب الأعمال زاهدون في توظيف البحرينيين. والمطلوب أن يقبل هؤلاء على توظيف المواطنين بدل استجلاب الأجانب. والحل يتمثل في عدد من المقترحات، أهمها يتمحور حول رفع كلفة العامل الأجنبي، وذلك بفرض رسوم جديدة لتتساوى هذه الكلفة مع الراتب الذي سيدفعه صاحب العمل للمواطن، وبذا سيرغب رب العمل على توظيف المواطنين، من دون الحاجة لتقييد استيراد العمالة الرخيصة من خارج الحدود ولا شيئاً من هذا القبيل.
هذه الرسوم، سترفع كلفة العامل الأجنبي لما يقارب 220 ديناراً شهرياً، وهو أدنى راتب تطمح الحكومة أن يناله المواطن. ولكن هل هذا الإجراء جدير بأن يحفّز رب العمل على توظيف المواطنين، أم أنّ رب العمل سيظلّ يستورد الأجنبي حتى لو فاقت كلفته توظيف المواطن، لأن الأجنبي مستعد أن يعمل كعبد قنٍّ، يُسخّر لكل المهمات، وهو ما يسعى له الكثير من أصحاب الأعمال؟
في هذا المقام، ينبغي إثارة الكثير من الأسئلة بشأن جدوى هذه الوسيلة، فمثلاً الكل يعلم أن سوق العمل يحتاج إلى عمالة تفوق العاطلين عن العمل لما يقارب الأربعة أضعاف، وهذا يعني أن بعض القطاعات، وإن كانت ترغب بتوظيف المواطنين، فإنها لن تجد لذلك سبيلا، لهذا فإن تعميم مثل هذا الإجراء المزمع تطبيقه على كل القطاعات، لا يعدّ انصافاً.
ثم إن هذا الإجراء لن يثني بعض الشركات (الوطنية) سواء منها ذات الصبغة الطائفية أو العنصرية، لن يثنيها عن سياساتها القائمة على استبعاد فئة أو تفضيل عرق على آخر من المواطنين، إذ إن هذه الشركات والتي من الآن توّظف الأجانب من الآسيويين برواتب لا يحلم بها أكثر المواطنين ممن يمتلكون الكفاءة نفسها، كل ذلك يحدث حالياً، وقبل صدور مثل هذا القانون، فضلاً عمّا بعد صدوره.
فلماذا لا يصدر قانون ببحرنة بعض القطاعات، وخصوصاً الشركات التي تساهم فيها الحكومة بنسبة كبيرة؟
من جانب آخر، لقد لمسنا التعامي من قبل المبشرين بهذا الحل عن الكثير من الآثار السلبية المتوقعة لمثل هذه القرارات على حياة المواطن المعيشية، مع تمنياتنا أن نكون غافلين عن مخرج قد أعدّته الحكومة لمثل هذه الإشكالات. وهنا نطرح بعض الآثار التي قد تفوق في سلبياتها، الإيجابيات التي يبشّر بها القرار الآنف الذكر، الهادف لإعادة هيكلة السوق:
- ستغلق المؤسسات التي يشرف عليها صغار رجال الأعمال أبوابها، وفي ذلك دخول عوائل أخرى لدائرة الفقر المستوطن في هذا البلد الغني.
- المؤسسات التي تتمكن من امتصاص الصدمة هذه، سترفع أجور خدماتها لتتوافق مع هذه الزيادة من الكلف المصروفة على الأيدي العاملة. ولنتخيل ثمن بناء مسكن من الآن، فإذا كان المقاول يطلب سابقاً 15 ألف دينار لمجرد ثمن العمل في بناء مسكن من دور واحد، فكم ستكون الكلفة إذا ارتفعت كلفة العامل الأجنبي ما يقارب أربعة أضعاف؟
وهذا ليس خيالاً، فمتغيرات السوق في بعض الأحيان تتعدى الخيال، فمن كان يتوقع أن يقفز سعر الأراضي في بني جمرة - مثلاً - من 2,3 دينار إلى 6,9 دنانير، أي بمقدار أكثر 200 في المئة، وفي غضون أقل من سنتين.
- سترتفع المواد الغذائية والاستهلاكية الأخرى في الأسواق، فرب العمل أصبح يدفع أجوراً تضاعفت 4 مرات، فلا يمكن توّقع ألا تزيد أسعار السلع بأقل من 100 في المئة، بل سيشمل ذلك كل نواحي الحياة.
إذاً، وكما يقول المثل الشعبي، كأنك يا زيد ما غزيت، ذلك أنّ السلع الاستهلاكية والخدمية سيرتفع سعرها لما يفوق الزيادة في هذه الرواتب.
وتستوقفنا هنا، نقطة مهمة أثارها رئيس التحرير منصور الجمري في عموده بتاريخ 7 اكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وهي أن الرواتب لو كانت منذ الآن وفي هذه الظروف قد وصلت لـما يقارب 220 ديناراً كما هو مخطط له، فإنها منذ هذه اللحظة تعتبر متدنية، فما مصير هذه الرواتب بعد تطبيق ما أطلق عليه «إصلاح سوق العمل»؟
هل سترفع الحكومة رواتب موظفيها لمثل هذه الأضعاف حتى لا ينخفض مستوى المعيشة ويتردّى أكثر مما هو متردٍ ومنحط؟ ولو فعلت فما مصير رواتب القطاع الخاص في ظل غلاء فاحش متوقع حدوثه، وخصوصاً فيما يتعلق بهؤلاء الذين لم تتم فرحتهم بالرواتب الجديدة التي ارتفعت إلى 220 ديناراً؟
هل ستكون النتيجة النهائية المرتقبة من وراء مثل هذا القرارات، حدوث قطبية حادة، تجعل في الحد الأول فئة الأثرياء والمترفين بعد إخراج الذين يتهددون هذه الفئة بالدخول في حلقتهم من صغار رجال الأعمال، والفئة الأخرى على الجانب الثاني، الفئة المعدمة وستكون هذه المرة، غالبية سكان هذا البلد؟
إن هذا يعني ببساطة، تقلّص الطبقة الوسطى، والمعلوم أن الطبقة الوسطى يجب أن تشكّل غالبية، وإلاّ فلا يمكن ضمان استقرار الأوضاع الاجتماعية وما يستتبع ذلك من مشكلات أمنية وأخلاقية واضطرابات بسبب لقمة العيش.
لماذا لا تتحرك الحكومة على إصدار قانون لوضع حد أدنى للأجور، لبعض القطاعات التي ينبغي ويمكن الاستغناء فيها عن الأجانب؟
في ظل كل ما سبق، فإن الخشية جادة وحقيقية من أن ينخفض مستوى المعيشة، وتضعف القوة الشرائية للمواطن، وتتفاقم بالتالي المشكلات، وتدخل أعداد كبيرة من الكادحين من أصحاب الأعمال الصغيرة إلى حظيرة الفقر.
هذه إشكالات نريد لها أجوبة من أصحاب الشأن، وهل سيفي ذلك الصندوق الذي سيكون دخله 200 مليون دينار سنوياً لإعادة التوازن لهيكل سوق العمل؟
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 773 - الأحد 17 أكتوبر 2004م الموافق 03 رمضان 1425هـ