أعلن طالب أميركي في العاشر من أكتوبر/تشرين الاول من العام 1976 انه يستطيع صنع قنبلة نووية - تعادل قوتها تلك التي ألقيت على هيروشيما - في غرفته وبكلفة تصل الى الفي دولار. واللافت في ذلك ان علماء أميركيين اكدوا صحة اقوال هذا الطالب. وبين العاشر من أكتوبر 1976 والعاشر من أكتوبر 2004 جرت مياه كثيرة في سواقي وجداول وانهار العالم، وتغيرت أحوال الدول والأمم، وتغير وجه العالم اكثر من مرة، وبقي العالم العربي وحده يراوح مكانه.
ولأن المسافة التي يتحرك فيها محددة أصبحت إمكاناته محدودة جداً، ووهنت عضلاته وعظامه وترهل وثقلت همته، أي باختصار... دخل هذا العالم مرحلة الشيخوخة، وبات في أمس الحاجة الى من يساعده، ليس في حركته فقط، بل في النظر ايضاً لأن انحصار تطلعه في الجدران التي يتحرك بينها وعوامل الشيخوخة جعلا نظره ضعيفاً.
فإذا كان هذا الطالب الاميركي اعلن مقدرته على تصنيع قنبلة نووية في غرفته وبألفي دولار قبل 28 سنة، فإنه بذلك عبر عن نتيجة التعليم والتثقيف المتبع في بلاده، ولقد تحرّر من عقدة التوجيه التعليمي من أجل خدمة مصالح النظام السياسي، وهنا لا أنزه النظام السياسي الاميركي، ولكن أنظر الى الجانب الواجب اتباعه في عملية تطوير الأمم والشعوب، وهي مهمة الإدارات والانظمة السياسية. ففي العالم العربي لا يستطيع أي عالم مهما علا كعبه، ان يتحدث عن امكان توليد الكهرباء من الطاقة النووية، لأن اجهزة الأمن والاستخبارات لن تتركه يهنأ في نومه ليلة واحدة بعد ذلك! ولهذا نجد ان غالبية جامعاتنا العربية بلا مختبرات حقيقية، وابحاثنا لا ترتقي الى المستوى المطلوب، هذا ان وجدت عندنا ابحاث تعلق عليها الآمال.
ان فضيحة الأمية التي كشفتها تقارير التنمية الانسانية العربية التي صدرت في السنوات الأخيرة تضيف الى عجزنا عجزاً جديداً، وبالتالي نصبح أمام معضلة حقيقية فيما يتعلق بالتنمية والتطور. فإذا كان 60 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة، واذا كان اكثر من 63 مليوناً غيرهم يعيشون تحت خط الفقر بكثير، واذا كان الآلاف من العرب يموتون سنوياً نتيجة الجهل الصحي، وبضع مئات من العرب يموتون نتيجة الاخطاء الطبية، واذا كانت اعداد المهاجرين السريين تزداد سنوياً، والمهاجرون الشرعيون هم من اصحاب الكفاءات العلمية العالية، واذا كانت النسبة الكبيرة من موازنات الدول العربية تصرف على العسكرة، واذا كان مجمل الدين العربي يصل الى نحو 500 مليار دولار، فهذا يعني ان طالباً عربياً في العام 2176، على أقل تقدير سيقول ما قاله الطالب الاميركي قبل 28 سنة، وساعتئذ سيكون العالم قد طوى الكثير من الحقبات، وربما يكون اقتنع هذا العالم بأن أسلحة الدمار الشامل لا تحقق أي انتصار، بل هي وبال على اصحابها، وان السبيل الوحيد لتقدم البشرية يكون في الاسلحة الفتاكة القادرة على وقف انتشار الامراض وعلى عدم نهب ثروات الأمم والشعوب وعلى إشاعة السلام في العالم، والانتقال من خرافة صراع الحضارات من أجل تفوق فرد على آخر الى حقيقة التجاور الحضاري والتبادل الحضاري من أجل فائدة الانسانية.
وفي انتظار ذلك بات من الضروري ان ينظر العرب أبعد من الجدران التي حبسوا انفسهم بينها، وان يتجاوزوا حدّ الخوف من كل شيء، ومن كل جديد، وان يعملوا بجد وصدق من أجل تطوير مجتمعاتهم، وأولى الخطوات في هذا الشأن معرفة ان من يتخلى الآن عن حقه، أو يترك أمره في يد الغير هو في نهاية المطاف بلا أي دور في هذه الحياة.
لقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول من العام 1986 «اعلان الحق في التنمية» ومنذ ذلك التاريخ والى الآن لم تتقدم الدول العربية التي وقعت على هذا الإعلان قيد أنملة، لا بل ان هذه الدول عملت على عكس ما جاء في هذا الإعلان، فاذا كانت المادة الأولى من الإعلان قالت إن «الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب، المشاركة والاسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الاساسية اعمالاً تاماً». فإن الدول العربية ومنذ ذاك العام وحتى الآن لم تعمل على ترسيخ حركة تنموية حقيقية، واذا كانت خطط الانعاش الاقتصادي تركزت على المدن في الدول العربية الكبرى فإن الريف العربي تراجع بشكل مخيف عما كان عليه في الثمانينات، ولهذا يكون الفرق بين الطالب العربي وأي طالب من الدول المتقدمة هو أن الأول يحلم بأن يحصل على فرصة عمل عندما ينهي تعليمه، والثاني يحلم بما يمكن ان يبتكره ولا تشغله كثيراً مسألة البحث عن فرصة عمل، سواء أكان من سكان الريف ام المدينة. الطالب الاميركي الذي ذكرنا ما أعلنه قبل 28 سنة والطالب العربي الآن بينهما مسافة ضوئية، على رغم ان كليهما متخلفان عما انتجته الحركة العلمية العالمية في العقود الثلاثة الماضية، فإن الفارق بينهما يكمن في مدى ايمان النخب العربية، الثقافية والسياسية والاقتصادية، بالطاقات العربية، وبشيوع مبدأ الـ «نحن» واضمحلال الانانية، لكن الواضح ان الانانية الفردية في العالم العربي تعمي البصر والبصيرة، ولذلك لا عجب ان شاخ العرب وبقيت الأمم الاخرى في اوج شبابها
العدد 772 - السبت 16 أكتوبر 2004م الموافق 02 رمضان 1425هـ