مازلت أذكر الشعار الذي حمله الإصلاحيون الجدد في جمعية الإصلاح عندما عقدوا مؤتمرهم الأول في منتصف التسعينات، إذ طالبوا بالتواصل مع المجتمع والابتعاد جملة وتفصيلاً عن نهج الانغلاق الذي اتسم به نهج الجمعية طوال عدة عقود لظروف متعددة. والسبب في تلك المطالبة كانت تعود إلى الإشكال الذي واجهه تيار الإخوان عندما انغلق على ذاته وأصبح جاهلاً بطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، وقطع علاقاته بالتيارات الفكرية الأخرى وكذلك مع قطاعات وفئات واسعة من الشعب البحريني، وهو ما جعله يخسر الكثير.
فالتحول التاريخي الذي طرأ على تيار الإخوان بعد ذلك المؤتمر وفتح قنوات التواصل المختلفة على المجتمع جعل أنصاره ينفتحون على المجتمع البحريني ويشاركونه مناسباته المختلفة وينخرطون في مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني بعد أن كانت أمراً محظوراً. ومع ذلك فقد بقيت عقدة لدى الإخوان بسبب تراكمات الانغلاق والانفكاء على الذات في الماضي، ويمكن ملاحظة آثار هذه العقدة بشكل جليّ وصريح للغاية في المناسبات الاجتماعية أو اللقاءات السياسية والحوارية التي تقيمها مؤسسات المجتمع المدني.
إلا أن ما يميّز الإخوان أنهم أدركوا في لحظة تاريخية مهمة خلال بداية الاحتجاج السياسي في التسعينات ضرورة التغيير والحاجة إلى الإصلاح الداخلي وهذا ما حدث. وبالمقابل نجد أن السلف لم يعتبروا أبداً من الإخوان، فمازالوا يعيشون في مجتمعاتهم المصغرة الخاصة التي لا تتجاوز النطاق الجغرافي بين منازلهم والمساجد ومقار تنظيماتهم المنتشرة في أرجاء البلاد. وعلى رغم الإمكانات المادية والبشرية الهائلة التي يمتلكونها ويفوقون بها تيارات أخرى منافسة وفي ظل وجود كتلة برلمانية نشطة تسعى لتحقيق مطالب المجتمع وفق أجندة وأفكار التيار يبقى السلف بعيداً جداً عن واقع المجتمع البحريني وهمومه، ومشكلاته ومناسباته التاريخية. كما نلاحظه على الأقل في الوجوه الإعلامية، وفي المشاركات خلال الندوات واللقاءات الفكرية.
ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى عدم بلورة موقف واضح للسلف تجاه جملة من القضايا المهمة والفورية مثل قانون الجمعيات السياسية، والتعديلات الدستورية، وكذلك المشاركة في الاحتفالات التاريخية كهيئة الاتحاد الوطني. فإذا كانت للإخوان أعذار في عدم المشاركة يجب إعادة النظر فيها فإنه لا يوجد للسلف عذر واحد. بل يجب أن تكون مثل هذه المناسبات فرصة مثالية لإبراز المكانة التي يتمتع بها تيار السلف إزاء التيارات الأخرى، وبيان مدى فاعليته وقدرته على التعاطي مع مختلف القضايا والمواضيع، وفي الوقت نفسه مد جسور التواصل مع الآخرين لمعالجة إشكال التواصل المجتمعي. فأي تنظيم سياسي يفتقد القدرة على التواصل المجتمعي سيأتي اليوم الذي سيواجه فيه الصدمة الكبرى ويدرك حجم الخسائر التي نالت منه
العدد 772 - السبت 16 أكتوبر 2004م الموافق 02 رمضان 1425هـ