العدد 772 - السبت 16 أكتوبر 2004م الموافق 02 رمضان 1425هـ

الجحيم العراقي: هل أنتم مستعدون؟ (1- 2)

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

حذر أكثر من رئيس مخابرات دولة أجنبية من «حرب أهلية» قادمة في العراق، وهي حرب ضروس ستأخذ معها كل شيء يقف في طريقها أو أن يكون موجوداً مصادفة هناك. والمخابرات (الجاسوسية) التي أتحدث عنها هي كما عُرفت لمن لا يَعرِف من قبل كثير من ذوي الاختصاص مهمتها تبقى واحدة، وهي «الحصول على معلومات سرية لصالح أي شخص مستعد لدفع الثمن المناسب مقابل هذه المعلومات، سواء تعلق الأمر بزوج غيور، أو بقوة دولية كبرى».

وجاء أن أحد القياصرة قام بـ «تشفير بعض المعلومات الحساسة والمطلوب إرسالها إلى قادته خوفاً من كشف سرية هذه المعلومات من قبل أعدائه، وقد جاء في الذكر الحكيم ما ينهي عن التجسس والاستخبار بمعناه السلبي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» (الحجرات12) وكان الرسول الكريم في هذا الشأن، شأن الجاسوسية، يدعو الله قائلاً: «اللَّهم خُذ العيون والأخبار من قريش حتى نباغتها في بلادها»، ويقول «اللَّهم خُذ عَلى قريش أبصارهم، فلا يَروني إلا بغتة، ولا يسمَعون بي إلا فجأة»، أي يا الله أرحنا من جواسيس قريش وكلابها حتى نقيم دولة العدل والحرية، دولة يحترم فيها الانسان وينصف.

وتفيد المصادر أن تاريخ هذه المخابراتية يعود إلى العام 1380، غير أن الواقع يقول إن التي يطلق عليها حيناً «الجاسوسية العالمية» يرجع إلى القرن السادس عشر في بريطانيا. ويعتقد بأن أول جاسوس بالمعنى الحقيقي للكلمة كان «السير فرانسيس وولسينغهام»، الذي توزعت «مجموعته» في كل أرجاء أوروبا، وانصبَت مهمة هذه المجموعة على حماية مصالح الملكة إليزابيث الأولى.

وكان إلى غاية القرن العشرين يتم «تجنيد الجواسيس» على أساس غير رسمي، ومن دون ارتباطهم بأية جهة أو شخص معين. كان إخلاصهم الأول والأخير إلى كل من يدفع أكثر. وقد لعبت المرأة دوراً كبيراً في إسقاط رموز سياسية كبيرة. ففي عصرنا الذي نعيش اليوم هناك لكل الدول «العظمى» مخابراتٌ وهي في غاية التنظيم والقدرة، وأشهر هذه الاجهزة المخابراتية: «وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية» الـ (سي. آي. إيه) و «جهاز الاستخبارات السوفياتية» الـ (كي. جي. بي) سابقاً ومازال، و«بريطانيا» التي كانت فيما مضى تفضل «أن يبقى عملاؤها سريين ولا يعرف عنهم أي شيء بقدر الإمكان». والتي لم تعترف رسميا بتوفرها على جهاز استخبارات خارجية الـ (إم آي 6) إلاّ أخيراً، وذلك في العام 1994.

يذكر أن هذه الأجهزة المخابراتية لا يقتصر دورها على «اختراق صفوف الخصم، والتغلغل في مواقعه الدفاعية فحسب، لكنها أيضاً تُطوِر أجهزة وأدوات جاسوسية عالية التقنية، من ضمنها الأقمار الاصطناعية وغيرها، لمراقبة تحركات الخصم على بعد.

وفي عالمنا اليوم أصبحت المعلومات المخابراتية هي أيضاً في سباق مع الزمن ومع صف من يمكنه توظيفها لصالحه أول ما تصله، وهي ليست لمن يدفع أكثر، بل هي لمن يفهم أكثر ويستشرف المستقبل عن طريقها حماية لمصالحه وحماية لشعبه وخيراته وموقعه بين الأمم. واليوم المعلومات المخابراتية متاحة على أوسع نطاق، وأعني تلك الخاصة بالحروب الاقتصادية والسياسية والدينية، أما تلك المتعلقة باستعمار الدول مباشرة فلم يعد لها وجود، وهي غير ذات أهمية تذكر فقط لكون العالم بدأ يستعمر بطرق أكثر حضارية في مواقع كثيرة.

والتحذير الذي أتحدث عنه هنا والذي أتى به أكثر من رئيس جهاز مخابرات ليس من بينهم رئيس جهاز المخابرات البحريني أو الكويتي أو السعودي أو الإيراني أو المصري أو اللبناني أو السوري أو مخابرات «الجماهيرية العظمى» التي تُتهم بتدبير محاولة «قتل» لـ «أمير عربي»، اكتشفتها مخابرات دولة أجنبية، فمخابرات هذه الدول لا وزن لها أمام المخابرات الحقيقية لدول ذات شأن في جميع المجالات. وأنا هنا لا أتحدث من فراغ أو بطريقة اعتباطية، ولهذا سأعطيكم بعض الأمثلة حتى تكون الصورة التي أتحدث عنها واضحة كما الشمس في عز الظهيرة كما يقال: الاستخبارات المصرية وهي التي لها باع طويل في هذا المجال ودخلت حروباً كثيرة مع عدو الأمة ومع الجماعات المناهضة لها، عجزت عن الكشف عن محاولات عدة كانت تستهدف اغتيال الرئيس حسني مبارك، وقد نجا منها جميعاً بأعجوبة هو وبعض وزرائه، إذ أصيب بعضهم إصابات بالغة الخطورة، وقبلها عجز الجهاز نفسه عن معرفة خطة اغتيال الرئيس أنور السادات الذي شاهدنا صورها ولا يمكن أن تغيب عن عقل عاقل يعيش في منطقتنا ابان تلك الساعات. وعجز أيضاً عن الكشف عن محاولة اغتيال صاحب «جائزة نوبل» للأدب؛ الاستخبارات السعودية عجزت عن الكشف عن خطة اغتيال الملك فيصل رحمه الله، وعجزت عن الكشف عن التفجيرات التي جرت على أراضيها منذ التسعينات حتى الفترة الأخيرة، إذ باغتتها جميع هذه الحوادث أيما مباغتة، وهي التي تملك من الأدوات من ضمنها الأواكس الأكثر شهرة، وإن هي كشفت بعض صور التنظيمات السرية المسلحة ذات الصلة بمجموعات «إرهابية» خارجية.

وعجزت المخابرات اللبنانية وكل المخابرات التي تعمل على الساحة اللبنانية تلك الأيام عن الكشف عن خطة اغتيال الجميل، الذي اغتيل كما اغتيل رؤساء عدة للبنان ووزراء ونواب وأفراد.

والملك حسين وإن نجا من تسعة وعشرين محاولة اغتيال، كما قال هو نفسه، عجزت مخابراته عن الكشف عنها، ثلاث منها ممولة من صدام حسين، وبعض منها من العقيد، وبعضها من «إسرائيل»، وبعضها الآخر من آخرين مجهولين. «أميركا» ذاتها ومع جهاز مخابراتها الأكثر شهرة في الخارج وذلك الذي في الداخل عجزت عن الكشف عن خطة اغتيال الشقيقين «كنيدي» ومحاولة اغتيال «ريغان» وتفجيرات أوكلاهوما، ومداعبات الرئيس في المكتب البيضاوي وتفجيرات الأبراج في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. وهي التي لديها من أجهزة المخابرات ما لديها من المعلن عنه وغير المعلن.

هنا أتحدث عن رؤساء مخابرات لهم باعهم الطويل في هذا المجال على مستوى الحروب العالمية والقضايا الداخلية. أولاً لنأخذ تصريح رئيس جهاز مخابرات له امتداده في التاريخ وله صولاته وجولاته على الساحة العالمية، وحرقت بلاده واحترقت أكثر من مرة في حروب ضروس طويلة تعرضت فيها مدن بأكملها، وهي مدن تعادل أكثر من دول من كل النواحي: الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ أنا أتحدث عن رئيس مخابرات له من أدوات الاستخبارات ما لم ولن تحلم به دولة عربية همها الأول مازال منصباً على معرفة إذا ما كان هذا المواطن منتمياً لهذا الفصيل أو ذاك، أو أنها تفتش في دهاليز عقله عن معلومات هي متاحة للجان قبل الإنسان في هذا الزمان وما قبله من أزمان، وتطارده من دكان إلى دكان لتعرف إذا ما اشترى «سمبوسة» أو «لحم تكة» من «أمين» أو من «سمين»، أتحدث هنا عن رئيس جهاز المخابرات لجمهورية ألمانيا الاتحادية، اوجست هانينج، فتعالوا نقرأ ما يقول أو ما نقل عنه الأسبوع الماضي: «ان العراق يواجه خطر الانزلاق الى الفوضى وحرب أهلية تستمر لسنوات اذا لم يمكن تحقيق الاستقرار في البلاد قريباً».

وذكر تلفزيون «ايه. ار. دي» عن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (بي. ان. دي) قوله في مقابلة معه: «ان العراق في مفترق طرق. اما ان يمكن تحقيق الاستقرار في البلاد أو تكون فوضى وسنوات من الحرب الاهلية مثلما حدث في لبنان». وقال إن هناك «صلات متنامية بين الجماعات الاجرامية والجماعات الاسلامية المتشددة، وان الخطر الذي يشكله خطف الاشخاص على البلاد كبير جداً».

كما حذر جهاز المخابرات الأكثر شهرة الـ «سي آي ايه» هو الآخر من المصير نفسه، بل إنه أضاف إلى ذلك أشياء أخرى تزيدنا بؤساً على البؤس الذي نحن فيه، فتعالوا نستمع إلى ما يقوله هذا الجهاز الآخر الذي يملك معلومات عن كل ما فات وما هو آت! فمما فات هاكم ما لديه عن «أسير الحرب» :«كانت الأقمار الاصطناعية الأميركية فوق شمال الخليج تزود صدام حسين بصور يومية عن تحركات القطعات العسكرية الإيرانية وتزوده بالأسلحة المتطورة لموازنة الموجات البشرية الإيرانية و«تحثّ» دول مجلس التعاون الخليجي على مساندته ودعمه وتقديم مليارات الدولارات في مؤازرته». هذا زمان كان يا ما كان ونحن وإياه لم نعد في أمن وأمان، فكلنا معتقلون بشكل من الأشكال.

وتضيف هذه المؤسسة قائلة: «إما اليوم فصدام كدكتاتور نمطي حكم بالرعب وتملكه جنون العظمة، وكان معزولاً في سنوات ما قبل الحرب، هو اليوم قبل سقوطه المشين يتفادى استخدام الهاتف ولديه معمل خاص لاختبار طعامه. كما أسرف في بناء القصور في مسعى لضمان أمنه الشخصي». وإن هذا الرئيس «المخلوع» لم يستخدم الهاتف سوى لإجراء «مكالمتين» لا غير طول فترة الحرب كي لا يكتشف مكانه وأي مكان كان! جملة اعتراضية في وثيقة طويلة قدمت إلى الكونغرس الأميركي، مهمتها فضح الدول والأفراد الذين تعاونوا مع أسير الحرب، ابان حكمه وجبروته وتسلموا مبالغ من مخصصات «النفط مقابل الغذاء» ومن يريد المزيد عليه الاطلاع على الوثيقة فهي متاحة للجميع من دون استثناء وفيها أسماء لامعة في سماء دول عدة عربية وغير عربية.

وقد أكدت الوثيقة ان صدام لم يتخل عن طموحاته النووية، وتابعت انه «مازال من الصعب تأكيد أو نفي امتلاك العراق لمنصات متحركة لانتاج أسلحة بيولوجية أو ما إذا كانت هناك محاولات للعمل على استخدام الجدري سلاحاً». هذا يعني شيئاً واحداً لا غير لمن أراد أن يعلم وهو أن هذه الأسلحة الفتاكة هي الآن في أيادي لربما لم ولن تكون أمينة وقد توظفها أشر توظيف يزال بها الرذيل والنظيف في آن.

وقال تقرير آخر ان المتحدث باسم البيت الابيض سكوت مكليلان، أكد مجدداً انه كانت هناك علاقة بين صدام والزرقاوي، و«انه كان على اتصال من بغداد مع انصار الاسلام في الجزء الشمالي الشرقي من العراق. وكانت له أيضاً خلية تعمل من بغداد اثناء تلك الفترة. ولهذا من الواضح ان هناك روابط بين العراق وبين نظام صدام حسين والقاعدة». وهذا غيض من فيض من بحر المعلومات التي تمتلكها هذه الدائرة المخابراتية عن «المعتقل»، وللحديث تتمة

العدد 772 - السبت 16 أكتوبر 2004م الموافق 02 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً