قبل أيام وصلت إلى رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية السابق والرئيس الحالي لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإسلامي الشيخ هاشمي رفسنجاني رسالتان مُهمّتان تتعلقان بالأنباء المتداولة عن احتمال ترشّحه للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستُجرى في مايو/ آيار المقبل، الأولى من السيد علي مطهّري نجل المفكر الكبير الشهيد مرتضى مُطهري يدعوه فيها إلى عدم ترشيح نفسه للانتخابات، ومما جاء في الرسالة: «إن علماء الشيعة كانوا على امتداد التاريخ إلى جانب الناس وفي مواجهة الحكومات وكانوا يتجنبون الانضمام إلى الحكم»، معتبراً هذه الحال سبباً في اقتدار الروحانية الشيعية لإقامة الحكومة والتحرك الاجتماعي ضد المتغطرسين. وقال مٌخاطباً الشيخ رفسنجاني: «أنتم على علم بأن نظام الجمهورية الإسلامية لا يعني حكومة طبقة رجال علماء الدين، وحتى أنه من الأفضل ألا يتصدى علماء الدين للمناصب التنفيذية الحكومية إلاّ اضطرارياً، وقطعاً إن مثل هذا الاضطرار معدوم حالياً مع وجود شخصيات غير عُلَمائِية صالحة لرئاسة الجمهورية، وإن المراكز الرقابية للنظام كالقيادة ومجلس صيانة الدستور هي في تصرّف علماء الدين، وهم في هذه الحال يستطيعون أداء مهمتهم الرئيسية وهي التفسير والدفاع عن الآيديولوجية الإسلامية أمام المدارس الأجنبية وترويج المعارف الإسلامية وهداية الناس معنوياً، وخصوصاً أن الإمام الخميني كان يحمل هذا الرأي، لكنه سمح بتصدي العلماء لبعض المناصب الحكومية بصورة مُؤقتة وطارئة بعد النواقص التي شُوهِدت في الحكومة المؤقتة، وبعد خيانة بني صدر، لكن هذا الأمر الطارئ في طريقه لأن يُصبح قانوناً وقاعدة».
أما الرسالة الثانية فقد جاءته من السيد مهدي خزعلي نجل عضو مجلس خبراء القيادة والعضو السابق لمجلس صيانة الدستور آية الله أبوالقاسم خزعلي دعاه فيها إلى ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة، ومما جاء في الرسالة: «إن انتخاب رئيس للجمهورية ذي ميول يسارية (بالمفهوم الإسلامي الإيراني السياسي وليس العقائدي) سيحمل وراءه فترة من الصراعات عديمة الجدوى مع السلطة التشريعية وربما مع سماحة القائد، وإن انتخاب رئيس للجمهورية ذي ميول يمينية سيتسبب في إقصاء شريحة واسعة من عائلة الثورة والمؤمنين بالنظام من المنتسبين لليسار، وإن إجراء تغييرات جذرية في هيكلة الجهاز التنفيذي سيلحق أضراراً اقتصادية وسيقصي جانباً من الخبرات الإدارية بالبلاد».
والحجتان اللتان استند إليهما كاتبا الرسالتين ربما تتوازيان في الثقل والأهمية لأنهما تُعبران عن حالتين باتتا مُلِحَّتَين في الحدث الإيراني، فمسألة تصدي رجال الدين للحكومة والمواقع التنفيذية باتت تطرح نفسها بقوة، ولم تعد خيالاً يتجاسر على ما لم يسبق التفكير فيه، في الوقت الذي بات فيه الشباب الإيراني يَملّ من رتابة الصورة السياسية وروتينيتها، فدورات رئاسة الجمهورية الثمان السابقة هيمن عليها رجال دين باستثناء دورتين، ودورات رئاسة مجلس الشورى الإسلامي الست السابقة استحوذ عليها رجال دين بالكامل، هذا بالإضافة إلى مواقع وزارية في الحكومة والأعضاء غير الحقوقيين في مجلس صيانة الدستور وأعضاء مجلس خبراء القيادة الستة والثمانين.
وربما من الغرابة أن نعرف بأن الزعيم الميداني لليمين التقليدي المتشدد آية الله مهدوي كَنِي هو من الذاهبين إلى هذا الرأي أيضاً، على رغم أنه استُوزِرَ سابقاً لوزارة الداخلية في حكومة الشهيد رجائي وباهنر.
أما ما ذهب إليه مهدي خزعلي فهو الآخر يستند إلى محذور خطير جداً، فمجيء رئيس من رحم اليسار أو اليمين سيُؤدي إلى احتراب أحمر وحالٍ من الاستقطاب الحاد بين الجناحين المتنافسين سيُفضي أتوماتيكياً إلى إرهاق واستنفاد للطاقات وسيُضيِّع الكثير من المكاسب، وهو المشهد ذاته الذي تكرّر إبان المجلس النيابي السادس، وكذلك فترة استحواذ اليمين على الحكم مطلع التسعينات.
لذلك فإن مجيء شخصية كرفسنجاني إلى موقع الرئاسة سيُبدد المخاوف المذكورة، وخصوصاً إذا عرفنا أن الرجل هو من يستطيع أن يحمل هموم الجناحين من غير أن يتماهى مع أي منهما أو يقع تحت سطوة برامجهما الحزبية، كما أنه يحظى بشبه إجماع من طبقة التكنوقراط وحتى من قطاعات من اليسار الديني الراديكالي الذي ظلّ يُباينه في السابق.
وأمام تلك الدعوتين تبقى عملية الموازنة أو المقاربة بين الخيارين أمراً في غاية الصعوبة، مع تلاشي الأمل في قبول مير حسين موسوي لأن يترشح عن «روحانيون مبارز»، وبقاء الساحة للمرشحين الأقل قوة، لتبقى الدعوة لرفسنجاني «تمهّل أيها الشيخ الرئيس»
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 772 - السبت 16 أكتوبر 2004م الموافق 02 رمضان 1425هـ