في هامش جانبي يلخص الكتاب سلوك الدول الأوروبية حيال النفط إذ يقول: «الأمر الذي لاخلاف عليه هو أن السياسة التي انتهجتها الدول الغربية الكبرى في القرن الماضي (أي القرن العشرين) خلقت شروطا كانت ولاتزال تحدد المسيرة المأسوية التي مرت بها شعوب المنطقة عبر التاريخ».
ولعل في ذلك تفسير جلي للموقف الغربي وخصوصا الولايات المتحدة من شعوب المنطقة، فبعيداً عن كل الادعاءات التي تروج لها الأجهزة الإعلامية في تلك الدول، يبقى النفط هو المحرك الأساسي الذي في اتجاه تدفقه وبأسعار زهيدة تتحرك بوصلة المصالح ومن ثم المواقف التي تتخذها الدول الغربية ازاء قضايا المنطقة المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وقبل أن ينطلق الكتاب ليحدد الحوادث التاريخية التي تتحكم في قوانين اللعبة... لعبة العلاقات الدولية القائمة على المصالح النفطية، يضع المؤلفون فرضية مؤاداها «أن العالم قد أشرف على بلوغ أعلى مستوى ممكن من الإنتاج، بل انه تخطى هذا المستوى منذ حين من الزمن».
يشير الكتاب إلى طبيعة العلاقات الدولية التي فرضتها بريطانيا على منطقة الشرق الأوسط في مطلع القرن الماضي (مرحلة الاكتشافات الأولية للنفط) بوصف كونها اللاعب الأساسي في مسرح تلك الساحة، ويصفها بأنها كانت «آنذاك، قد اتسمت بالمراوغة والنفاق والكذب، وثانيا كان البريطانيون ينتهجون استراتيجية ترى التحالف مع فرنسا عاملاً يسهل تحقيق المآرب البريطانية في الخليج العربي وفي بلاد فارس، المهم ان تزاح روسيا من حلبة المنافسة هذه».
ويلفت الكتاب النظر إلى أننا ونحن ننظر إلى الوراء، لا يجوز لنا «ان ننسى العامل السكاني، فعدد سكان المنطقة المتنازع عليها كان ضئيلا نسبيًّا، من هنا فقد كانت بريطانيا العظمى تتفاوض مع شيوخ ورؤساء قبائل لا يزيد عدد أفرادها على بضعة آلاف في الغالب، وتئن تحت وطأة الفقر والحرمان... كانت البنية القبلية متحجرة تعوق إمكان جمع صفوف القبائل وتوحيدها للدفاع عن مصالحها المشتركة».
يعرّج الكتاب هنا على موضوع اسعار النفط ويؤكد أنه «لو كانت سوق النفط سوقا كأي سوق أخرى، أي سوق يتحدد السعر فيها من خلال قوى العرض والطلب لكان سعر البرميل قد بلغ، بحسب كل الاحتمالات، مستوى يفوق المستوى السائد حاليا». ولعل هذه الإشارة ترد على الضجيج الإعلامي الغربي المعادي للدول النفطية التي يحملها ارتفاع سعر برميل النفط في الوقت الذي تؤكد فيه الحقائق أن الأسعار وبكل المقاييس هي دون مستواها الصحيح، هذا إذا استثنينا العوامل الأخرى التي تلتهم نسبة عالية من حصص الدول المنتجة.
هنا نصل إلى المرحلة الراهنة التي يرى الكتاب فيها أن دول «الأوبك» لاتزال «تؤدي من جديد الدور الذي كتب عليها أن تخضع له - فيما مضى من الزمن - لقد أمست هذه الدول ثانية مصدرا لنفط زهيد الثمن. فهذه الدول أضاعت من جديد، القوة التي أحرزتها لنفسها في السوق العالمية وفقدت للمرة الثانية، سيادتها على مواردها الطبيعية». ويسهب الكتاب في الأسباب الكامنة وراء تلك الحال التي تعاني منها «الأوبك».
هنا نجد الكتاب يسترجع دور وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر في تأسيس وكالة الطاقة الدولية في العام 1974 «وذلك انعكاسا للصدمة في الأسعار التي تركتها الأزمة النفطية في العام 1973، وكقوة مضادة للأوبك».
يولي الكتاب أهمية ملحوظة للمعلومات الخاصة بالنفط فيخصص فصلا يسرد فيه «من يكتب عنها وأين وماذا» ويجري مقارنات إحصائية بينها. نأخذ على الكتاب عدم إدراجه بعض المؤسسات العربية الناشطة في هذا الميدان مثل نشرة ميز (MEES) التي تصدر من قبرص ولا أي من الأوبك أو الأوابك على رغم دقة المعلومات التي ينشرونها وحداثتها، ناهيك عن غزارتها وموضوعيتها.
ولتعزيز نظرتهم لأهمية المعلومات ودورها في تحديد مسارات العلاقات التي تحكم الساحة النفطية وسلوك اللاعبين فوقها، يستهل المؤلفون هذا الفصل بهامش جانبي جاء فيه «الأوهام وتجاهل الحقائق لن تنفعنا كثيرا، حينما يكمن هدفنا في التعرف على آفاق المستقبل، وليس في التعرف على ما ستفرزه التطورات القادمة في البورصة أو في صناديق الاقتراع».
وفي باب التحول الهيكلي في العلاقات الدولية يعيد الكتاب الى الأذهان العلاقات الدولية غير العادلة وغير المتكافئة التي تمخضت عن اكتشاف النفط وخصوصا في منطقة الشرق الوسط. ويذكر الكتاب بشكل صريح وواضح أنه حتى وقتنا الراهن «لاتزال العلاقات السائدة بين المجموعتين (المنتجة والمستهلكة) من الدول يتحكم فيها التطلع إلى الحصول على النفط بثمن زهيد على نحو دائم. ومن أجل هذا الهدف تتغاضى الدول الصناعية عن أمور كثيرة لا تنسجم مع المبادئ التي تعتنقها، أعني التغاضي عن الهيكل السياسي المعادي للعدالة الاجتماعية ولأسس الحياة الديمقراطية، بل تدور حول الحصول على النفط عبر سبل ميسرة، والهيمنة على أسواق جديدة لتصريف البضائع التي تصنعها. ومن هذا المنظور، لا مراء في أن دولا يسودها حكام مستبدون موالون للغرب أكثر نفعاً وانصياعاً لتنفيذ تطلعات القوى الغربية من دول ديمقراطية تسودها مبادئ عصر التنوير ومتطورة وذات أسواق ناشئة».
ويخلص الكتاب في الفصل الأخير المعنون بـ «قواعد التزود بالطاقة على نحو يتماشى مع متطلبات المستقبل» بالإشارة إلى علاقة الترابط الوثيقة بين النفط والسيارة، وإن الأمل الوحيد في فسخ علاقة التبعية بين السيارة والنفط يمكن أن يتم «فقط عندما يتم التحول صوب استخدام الطاقة المتجددة... والملاحظ هو ان صناعة السيارات قد كثفت في السنوات الأخيرة، جهودها الرامية إلى تطوير مواد وقود بديلة ومحركات تفرز الغازات الضارة بنسب أدنى».
وهذا - بحسب ما ورد في الكتاب - يفسر اندفاع الكثير من «الشركات المصنعة لمحركات السيارات إلى أن تبدي حاليا اهتماماً كبيراً بتطوير الخلية العاملة بالوقود، فهذه الخلية تسمح، من حيث المبدأ، وبقدر تعلق الأمر بتحريك السيارة، بأن تغدو السيارة عظيمة من حيث الاقتصاد في الطاقة ونظيفة من حيث آثارها في البيئة».
الكتاب كما ذكرنا في البداية ذو طابع موسوعي، ومليء بالمعلومات والاستنتاجات القيمة التي تتطلب من القارئ العربي على وجه الخصوص الاطلاع عليها وتمحيصها والتأكد من دقتها وصحتها، لأنها يمكن ان تعيننا على قراءة صحيحة للفكر الغربي في نطاق العلاقات الدولية القائمة على تطورات الأسواق النفطية والأدوار التي يمارسها اللاعبون الأساسيون فيها سواء كانوا منتجين أم مستهلكين
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 772 - السبت 16 أكتوبر 2004م الموافق 02 رمضان 1425هـ